المسارعة (١). الثالث : حكم العقل خوفا من عدم التمكن فيما بعد.
أما الاطلاق فعلى تقدير تماميته يكون مفاده التقييد ، إذ لا يعقل أن يكون الأمر بالصلاة مثلا متكفلا لأمر نفسي يتعلق بالتعجيل فيها. لكن التقييد ممنوع ، لأنه إن كان من ناحية المادة فلا ريب في منعه ، لكونها صالحة للانطباق على الأفراد المتأخرة كما هي صالحة للانطباق على الأفراد المتقدمة. وأما الهيئة فكذلك ، إذ لا دلالة لها على أزيد من البعث نحو المادة وأن هذا البعث فعلي ، لكن ذلك لا يستلزم خروج الأفراد المتأخرة عن حيّز ذلك البعث ، على وجه يكون انقضاء أوّل أزمنة الامكان موجبا لسقوط ذلك الطلب وتبدله إلى طلب القضاء.
والحاصل : أن هذا القيد إن كان راجعا لنفس الهيئة كان مفاده اشتراط الوجوب به ، وهو ضروري البطلان فيما نحن فيه ، وإن كان راجعا إلى المادة فلا ريب أن المادة بنفسها لم تكن مقيدة بأوّل أزمنة الامكان ، وإن كان المدعى هو أن المادة بنفسها وإن لم تكن مقيدة بذلك إلاّ أنها يطرأ عليها التقييد المزبور بواسطة طروّ الطلب عليها ، ففيه أن طروّ الطلب لا يقتضي أزيد من البعث إليها ، وذلك لا يوجب تقييد المبعوث إليه بكونه واقعا في أوّل أزمنة الامكان على وجه يكون انقضاؤه موجبا لسقوط الطلب أو لتوجه الأمر بالقضاء. أما كون البعث فعليا في أوّل أزمنة الامكان فهو مسلّم إلاّ أنه لا يوجب التقييد ، حيث إن تحقق الطلب والبعث في ذلك الآن لم يكن على نحو التقييد ، وإنما أقصى ما في البين هو كون ذلك الآن ظرفا للطلب كسائر الآنات المتأخرة.
__________________
(١) آل عمران ٣ : ١٣٣.