وثانيا : أن الطهارة المذكورة لو قلنا بكونها حكما ظاهريا ، كان الجمع بينها وبين النجاسة الواقعية لو صادف كون مجراها بولا في الواقع هو الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية كل على مشربه ، أما لو كانت حكما واقعيا ثابتة لما هو معنون بعنوان كونه مشكوكا يتوجه سؤال الجمع بينها وبين النجاسة الواقعية الثابتة للبول المذكور ، وأقصى ما يمكن أن يقال إن النجاسة الواقعية ثابتة للبول المعلوم البولية ، أو أن النجاسة الواقعية ثابتة لما هو معلوم النجاسة ، والطهارة الثابتة للمشكوك يكون موضوعها هو المشكوك البولية أو المشكوك النجاسة. ولا يخفى أن ذلك مما لا يمكن الالتزام به ، ولئن التزمنا به في خصوص الطهارة والنجاسة فلا يمكننا الالتزام به في جميع مجاري الاصول حتى الاستصحاب وغيره.
ولو قيل إن النجاسة في ذلك تكون حكما اقتضائيا ، كان محصّله أن البولية لا تكون مؤثرة في النجاسة الفعلية في مقام الشك ، بل يكون المؤثر هو عنوان الشك ويكون الحكم الواقعي هو الطهارة ، فيكون ذلك راجعا إلى الالتزام المذكور أعني تقيد مثل النجاسة والطهارة الواقعيين بالعلم بالموضوع أو العلم بنفس النجاسة والطهارة ، فان مرجع الحكم الاقتضائي إلى أن الحكم الواقعي يكون على طبق العنوان الثانوي ، والعنوان الأوّلي لا يؤثر أثره نظير ما لو كان شرب الماء مباحا في حد نفسه ومحرما باعتبار كونه مضرا مثلا ، بل نظير حرمة الالقاء في التهلكة أو الضرر أو قتل المسلم مع فرض وجوبه جهادا أو دفاعا عن النفس ونحو ذلك ، وحينئذ يرجع الأمر بالأخرة إلى انحصار النجاسة الواقعية بما هو غير مشكوك ، ولازمه عدم تصور الشك في النجاسة حينئذ ليكون مجرى قاعدة الطهارة ، وحينئذ لا يكون جريان القاعدة في الشبهات الحكمية معقولا.