والمراد هو انقلاب الطلب عمّا كان فيه ممّا تضمنته الجهة الزائدة إلى ضد تلك الجهة الزائدة. وإن شئت فقل : إن الباقي هو مطلق الطلب ، وهو بنفسه يقتضي الوجوب والتحتم. ويمكن أن تأتي هذه الطريقة في الكراهة.
أما الوجوب وكذلك الحرمة فليس هو مثل الاستحباب في دعوى التركب الخارجي من حكمين ، ولا من قبيل المركب من الجنس والفصل كي يقال ببقاء الجنس متقوما بفصل آخر كما في حاشية العلاّمة الاصفهاني (١) كما في قطع الشجرة وإسقاط نموها وبقائها جسما مطلقا ، ولا من قبيل الاختلاف في الشدة والضعف كي يتأتى فيه دعوى بقاء المرتبة الثانية كما في تحرير الآملي لدرس الاستاذ العراقي قدسسره (٢) ، بل إنه بسيط صرف فلاحظ ، هذا.
ولكن نحن وإن قلنا فيما تقدم إن الاستحباب مركب من طلب الفعل وتجويز الترك ، إلاّ أنّ ذلك إنما هو في مقام الانشاء بالصيغة ، فلا يتم الاستحباب إلاّ بإنشاءين : إنشاء الطلب وإنشاء تجويز الترك. لكن التحقيق أنه في مقام الثبوت بسيط في قبال الوجوب.
وبالجملة : أن هذه الأحكام ـ أعني الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة ـ في مقام الثبوت لا تكون إلاّ من سنخ الأحكام الوضعية التي قوامها الجعل والاعتبار ، وهي في هذه المرحلة بسائط يباين البعض منها البعض الآخر ، وهذا البعث وذاك الجواز للترك لا يكون هو حقيقة الاستحباب ، بل هو تفهيم أو مجرد تعبير وإعلام ، وليس شيء من ذلك
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٢٦٢ ـ ٢٦٤.
(٢) بدائع الأفكار : ١٩٧.