وقال عليهالسلام في خطبة أخرى :
دليله آياته ووجوده إثباته ومعرفته توحيده وتوحيده تمييزه من خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة إنه رب خالق غير مربوب مخلوق كل ما تصور فهو بخلافه.
ثم قال بعد ذلك:
ليس بإله من عرف بنفسه هو الدال بالدليل عليه والمؤدي بالمعرفة إليه.
وقال عليهالسلام في خطبة أخرى (١).
لا يشمل بحد ولا يحسب بعد وإنما تجد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها منعتها منذ القدمة وحمتها قد الأزلية وجنبتها لو لا التكملة بها تجلى صانعها للعقول ـ وبها امتنع عن نظر العيون (٢) لا تجري عليه الحركة والسكون وكيف يجري عليه ما هو أجراه ويعود إليه ما هو أبداه ويحدث
__________________
(١) تجد هذه الخطبة الجليلة ـ التي هي حقا من معجزات أمير المؤمنين (عليهالسلام) ولو لم تكن له معجزة سواها لكفى ، كما لو لم يكن لرسول الله صلىاللهعليهوآله معجزة سوى أمير المؤمنين (عليهالسلام) لكفى ـ في ج ٢ ص ١٤٢ من نهج البلاغة قال السيد الرضي قدسسره ( وتجمع هذه الخطبة من أصول العلوم ما لا تجمعه خطبة ) وأولها كما هي مثبتة في النهج :
« ما وحده من كيفه ، ولا حقيقته أصاب من مثله ، ولا إياه عنى من شبهه ، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول فاعل لا باضطراب آلة ، مقدور لا بجول فكرة ، غني لا باستفادة ، لا تصحبه الأوقات ولا ترفده الأدوات ، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والوضوح بالبهمة ، والجمود بالبلل والحرور بالصرد ، مؤلف بين متعادياتها ، مقارن بين متبايناتها ، مقرب بين متباعداتها مفرق بين متدانياتها ، لا يشمل بحد ... الخ.
(٢) ( لا يشمل بحد ) من الحدود المنطقية ، المركبة من الجنس والفصل ، وذاته خالية من التركيب أو من الحدود والأبعاد الهندسية التي هي من لوازم الأجسام وذاته تعالى ليست بجسم.
( ولا يحسب بعد ) لعدم المماثل له وواجب الوجود لا يتعدد كما هو ثابت في محله كما أن صفاته عين ذاته غير زائدة عليها فلا تدخل تحت العدد ، ولا بداية لوجوده حتى يقال : كان منذ كذا وكذا ( وإنما تحد الأدوات أنفسها ) لتركيبها من جنس وفصل ولكونها من الأجسام فتشملها الحدود والأبعاد الهندسية.
( وتشير الآلات إلى نظائرها ) فتدخل تحت العدد وقد ( منعتها ـ إطلاق لفظة : ـ منذ ـ عليها ـ القدمة ) في قولنا وجدت هذه الآلات والأدوات منذ كذا ، ومتى كان للشيء ابتداء فهو غير قديم.
( وحمتها ـ إطلاق لفظة ـ قد ـ عليها ـ الأزلية ، في قولنا قد وجدت هذه الآلات والأدوات منذ كذا لأن قد تفيد تقريب الزمان الماضي من الحال ، ومتى تعين زمن وجود الشيء انتفت أزليته.
( وجنبتها ـ إطلاق كلمة : لو لا ـ عليها ـ التكملة ) في قولنا : ما أحسن هذه الآلات والأدوات لو لا أن فيها كذا لدلالتها على امتناع كمال الشيء لوجود نقص فيه.
ويمكن أن يكون المعنى : إن قدمه وأزليته وكماله منعت من إطلاق لفظة ( منذ وقد ، ولو لا ) على ذاته المقدسة ، لدلالة هذه الألفاظ على الحدوث والابتداء والنقص.
( بها ) بتلك الآلات والأدوات ببديع صنعها ، باتقانها ، بحكمة تدبيرها ( تجلى صانعها للعقول ) التي هي طبعا بعض تلك الآلات لدلالة الأثر على المؤثر ( وامتنع ) بدليل تجرده وتنزهه عن المادة والجسمية واللون والجهة التي هي من لوازم المرئيات ( عن نظر العيون ).