فيه ما هو أحدثه إذا لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه ولامتنع من الأزل معناه ولكان له وراء إذا وجد له أمام ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان وإذا لقامت آية المصنوع فيه ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه (١) وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره (٢) الذي لا يحول ولا يزول ولا يجوز عليه الأفول (٣) ( لَمْ يَلِدْ ) فيكون مولودا ( وَلَمْ يُولَدْ ) فيصير محدودا (٤) جل عن اتخاذ الأبناء وطهر عن ملامسة النساء لا تناله الأوهام فتقدره ولا تتوهمه الفطن فتصوره ولا تدركه الحواس فتحسه ولا تلمسه الأيدي فتمسه ولا يتغير بحال ولا يتبدل بالأحوال ولا تبليه الليالي والأيام ولا يغيره الضياء والظلام ولا يوصف بشيء من الأجزاء ولا الجوارح والأعضاء ولا بعرض من الأعراض ولا بالغيرية والأبعاض ولا يقال له حد ولا نهاية ولا انقطاع ولا غاية ولا أن الأشياء تحويه فتقله أو تهويه ولا أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله (٥) ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج يخبر لا بلسان ولهوات ،
__________________
(١) الحركة سواء كانت بمعناها الفلسفي الذي هو : ( الخروج من القوة إلى الفعل ) أو بمعناها الفيزيائي الذي هو : ( الانتقال من مكان إلى آخر ) فهي تتقوم بالتدرج والانتقال من حال الى حال ومن مكان إلى آخر وتخلع صورة وتلبس اخرى وتصل الى جزء وتنفصل عن سابقه وهكذا ، ويقابلها السكون الذي هو : ( التوقف والخمود فيما يقبل الحركة ) : والحركة والسكون كلاهما من الحوادث المستندة في وجودها إلى علة وحيث ثبت أن لا موجد الا الله ولا خالق سواه فيكون هو الذي خلقهما وأجراهما على نفسه ، وأحدثهما في ذاته ، ولاستحالة أن يكون مخلوقه جزء ذاته ، نفى أمير المؤمنين (عليهالسلام) ذلك في صورة استفهام إنكاري في قوله : ( وكيف يجري عليه ما هو أجراه ويعود إليه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه؟!! ) ثم أنه (عليهالسلام) شرع في إقامة الأدلة على استحالة هذه النسبة فقال :
١ ـ « إذا لتفاوتت ذاته » أي : تغيرت. لا؟؟؟ تكون متحركة تارة وساكنة اخرى فالحركة والسكون من الحوادث المتغيرة ، فيكون محلا للحوادث ، وذلك من لوازم الإمكان فيكون واجب الوجود ممكن الوجود ، وهو مستحيل.
٢ ـ ( ولتجزأ كنهه ) لأن الحركة والسكون من لوازم الأجسام والأجسام مركبة فيلزم حقيقته التركيب وهو باطل.
٣ ـ ( ولامتنع من الأزل معناه ) لأن الحركة والسكون من لوازم الأجسام الحادثة والحادث لا يكون أزليا.
٤ ـ ( ولكان له وراء إذ وجد له أمام ) إذ لو جرت عليه الحركة لكان له أمام يتحرك نحوه وحينئذ يلزم أن يكون له وراء لأنهما أمران إضافيان لا ينفك أحدهما عن الآخر وحينئذ يكون له وجهان وكل ذي وجهين منقسم وكل منقسم ممكن.
٥ ـ ( ولا التمس التمام إذ لزمه النقصان ) إذ هو في حركته يتوجه نحو غاية اما لجلب نفع او لدفع ضرر ، وذلك كمال مطلوب له لنقصان لازم لذاته وذلك يستلزم الإمكان فهو باطل.
و « إذا لقامت آية المصنوع فيه » وثبت إمكانه وحدوثه « ولتحول دليلا » يستدل بوجوده على خالقه « بعد أن كان مدلولا عليه »
(٢) أي حرج بسلطان امتناعه التجردي ، وعدم شموله بحد ، ودخوله تحت العدد وامتناعه عن نظر العيون ، وعدم جريان الحركة والسكون عليه خرج بهذا السلطان من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره من الممكنات.
(٣) لا يحول : لا يتغير. والأفول : الغيبة.
(٤) الولادة تحصل بانفصال شيء عن آخر من جنسه ونوعه ، فالوالد والولد يشتركان في النوع والصنف والعوارض ، ولا يكون هذا الانفصال والتجزي الا بواسطة المادة القابلة للتجزئة ، وإذا كان كذلك فهو متولد من مادة وصورة ويحتمل أن يكون المراد بالمولود المخلوق ، فيكون المعنى لم يلد فيثبت كونه جسما مخلوقا. وعلى كلا التقديرين سواء كان مولودا من مادة وصورة ، أو كان جسما مخلوقا ، فإنه يكون محدودا بالحدود المنطقية ، والأبعاد الهندسية.
(٥) لا تناله الأوهام فتقدره بمقدار وكم وشكل وكيف ، والفطنة سرعة الفهم ولا تتوهمه الفطن فتصوره بصور خيالية او عقلية ، ولا تدركه الحواس بنحو المباشرة ولا تلمسه وتحسه الأيدي بنحو المماسة ، ولا يتغير أبدا ولا يوصف بالغيرية والابعاض فصفاته لا يغاير