للإنصاف يهدكم الله.
ثم أقبل على النصارى فقال لهم وأنتم قلتم إن القديم عز وجل اتحد بالمسيح ابنه فما الذي أردتموه بهذا القول أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما كوجود القديم الذي هو الله أو معنى قولكم إنه اتحد به أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه.
فإن أردتم أن القديم صار محدثا فقد أبطلتم لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما وإن أردتم أنه اتحد به بأنه اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله لأنه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.
فقالت النصارى يا محمد إن الله لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة.
فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ثم أعاد صلىاللهعليهوآله ذلك كله فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم فقال له يا محمد أولستم تقولون إن إبراهيم خليل الله؟ قال قد قلنا ذلك قال فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسى ابن الله؟
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنهما لن يشتبها لأن قولنا إبراهيم خليل الله فإنما هو مشتق من الخلة والخلة إنما معناها الفقر والفاقة فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا وإليه منقطعا ـ وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا وذلك لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله جبرئيل فقال له أدرك عبدي فجاء فلقيه في الهواء فقال له كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال إبراهيم حسبي ( اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه فسماه خليله أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه.
وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان الخليل معناه العالم به وبأموره ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله وإن من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده لأن معنى الولادة قائم به.
ثم إن وجب لأنه قال لإبراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا بأن عيسى ابنه وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى إنه ابنه فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى فقولوا إن موسى أيضا ابنه وأن يجوز أن تقولوا على هذا المعنى إنه شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما قد ذكرته لليهود.
فقال بعضهم لبعض ـ وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال أذهب إلى أبي وأبيكم.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله فإن كنتم بذلك الكتاب تعلمون فإن فيه أذهب إلى أبي وأبيكم فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه ثم إن في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من وجهة الاختصاص كان ابنا له لأنكم قلتم إنما قلنا إنه ابنه لأنه اختصه