بما لم يختص به غيره ـ وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى أذهب إلى أبي وأبيكم فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها لأنه إذا قال أذهب إلى أبي وأبيكم فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه وما يدريكم لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح وأن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح بل ما أراد غير هذا.
قال فسكت النصارى وقالوا ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك وسننظر في أمورنا.
ثم أقبل رسول الله على الدهرية فقال ـ وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟
فقالوا لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبد الآبد فإن قلتم إنكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون والذين يشاهدونكم.
قالوا بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الآبد.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما لأنكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضاءها أولى من تارك التميز لها مثلكم فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لأنه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الآبد أولستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر؟ فقالوا نعم.
فقال أترونهما لم يزالا ولا يزالان؟ فقالوا نعم فقال أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟ فقالوا لا.
فقال صلىاللهعليهوآله فإذا منقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جاريا بعده؟ قالوا كذلك هو.
فقال قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرته.
ثم قال صلىاللهعليهوآله أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فإن قلتم إنه غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله وإن قلتم متناه فقد كان ولا شيء منهما قالوا نعم.
قال لهم أقلتم إن العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه؟ قالوا نعم.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لأنه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به كما نرى البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نرى.
وقال أيضا فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون وما ذا كانت تكون صفته؟