قال فبهتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم فوجموا وقالوا سننظر في أمرنا.
ثم أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله على الثنوية الذين قالوا النور والظلمة هما المدبران فقال وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟
فقالوا لأنا وجدنا العالم صنفين خيرا وشرا ووجدنا الخير ضدا للشر فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشيء وضده بل لكل واحد منهما فاعل ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد فأثبتنا لذلك صانعين قديمين ظلمة ونورا؟
فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع مثلين منهما في محل واحد كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا نعم.
قال فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر؟ قال فسكتوا.
ثم قال فكيف اختلط النور والظلمة وهذا من طبعه الصعود وهذه من طبعها النزول أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا أكان يجوز عندكم أن يلتقيا ما داما سائرين على وجههما قالوا لا.
قال فوجب أن لا يختلط النور والظلمة لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر فكيف وجدتم حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج بل هما مدبران جميعا مخلوقان فقالوا سننظر في أمورنا.
ثم أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله على مشركي العرب فقال وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله فقالوا نتقرب بذلك إلى الله تعالى.
فقال لهم أوهي سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله؟ قالوا لا.
قال فأنتم الذين نحتموها بأيديكم؟ قالوا نعم.`
قال فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم.
قال فلما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله هذا القول اختلفوا فقال بعضهم إن الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا.
وقال آخرون منهم إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله.
وقال آخرون منهم إن الله لما خلق آدم ـ وأمر الملائكة بالسجود له كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب (١) سجدتم إليها وقصدتم
__________________
(١) محاريب جمع محراب ، ومحراب المسجد قيل سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى ، وقيل بل المحراب ـ