في أحوال نفسه وعرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض وتميل في قولك إلى من يزعم أنه لا يكون المرض والموت إلا من المطعم والمشرب قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء وأفلاطون رئيس الحكماء وجالينوس شاخ ودق بصره وما دفع الموت حين نزل بساحته ولم يألوا حفظ أنفسهم والنظر لما يوافقها كم مريضا قد زاده المعالج سقما وكم من طبيب عالم وبصير بالأدواء والأدوية ماهر مات وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور أجله ولا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الأجل.
ثم قال عليهالسلام إن أكثر الأطباء قالوا إن علم الطب لم تعرفه الأنبياء فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه وأمناءه في أرضه وخزان علمه وورثة حكمته والأدلاء عليه والدعاة إلى طاعته؟
ثم إني وجدت أن أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء ويكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك وتعالى فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه.
قال فكيف تزهد في قوم وأنت مؤدبهم وكبيرهم؟
قال عليهالسلام إني رأيت الرجل الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه وتأليف بدنه وتركيب أعضائه ومجرى الأغذية في جوارحه ومخرج نفسه وحركة لسانه ومستقر كلامه ونور بصره وانتشار ذكره واختلاف شهواته وانسكاب عبراته ومجمع سمعه وموضع عقله ومسكن روحه ومخرج عطسته وهيج غمومه وأسباب سروره وعلة ما حدث فيه من بكم وصمم وغير ذلك لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها وعلل فيما بينهم جوزوها.
قال فأخبرني عن الله أله شريك في ملكه أو مضاد له في تدبيره قال لا.
قال فما هذا الفساد الموجود في العالم من سباع ضارية وهوام مخوفة وخلق كثير مشوهة ودود وبعوض وحيات وعقارب وزعمت أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة لأنه لا يعبث؟
قال ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة ولمن يبول في الفراش وأن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي فإن لحومها إذا أكلها المجذوم بشب [ بشبت ] نفعه وتزعم أن الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للأكلة؟ قال نعم.
قال عليهالسلام فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعله أرزاق الطير وأهان بها جبارا تمرد على الله وتجبر وأنكر ربوبيته فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته وعظمته وهي البعوض فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه فقتلته واعلم أنا لو وقفنا على كل شيء خلقه الله تعالى لم خلقه ولأي شيء أنشأه لكنا قد ساويناه في علمه وعلمنا كل ما يعلم واستغنينا عنه وكنا وهو في العلم سواء.
قال فأخبرني هل يعاب شيء من خلق الله وتدبيره ـ قال لا.
قال فإن الله خلق خلقه غرلا أذلك منه حكمة أم عبث قال بل منه حكمة.