قال فمن قال بالطبائع؟
قال القدرية فذلك قول من لم يملك البقاء ولا صرف الحوادث وغيرته الأيام والليالي لا يرد الهرم ولا يدفع الأجل ما يدري ما يصنع به.
قال فأخبرني عمن يزعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون ويذهب قرن ويجيء قرن وتفنيهم الأمراض والأعراض وصنوف الآفات ويخبرك الآخر عن الأول وينبئك الخلف عن السلف والقرون عن القرون أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس بصير بتأليف الكلام ويصنف كتابا قد حبره بفطنته وحسنه بحكمته قد جعله حاجزا بين الناس يأمرهم بالخير ويحثهم عليه وينهاهم عن السوء والفساد ويزجرهم عنه لئلا يتهارشوا ولا يقتل بعضهم بعضا؟
قال عليهالسلام ويحك ـ إن من خرج من بطن أمه أمس ويرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله ولا ما يكون بعده ثم إنه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه أو خلقه غيره أو لم يزل موجودا فما ليس بشيء ليس يقدر أن يخلق شيئا وهو ليس بشيء وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه ولو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث لأن الأزلي لا تغيره الأيام ولا يأتي عليه الفناء مع أنا لم نجد بناء من غير بان ولا أثرا من غير مؤثر ولا تأليفا من غير مؤلف فمن زعم أن أباه خلقه قيل فمن خلق أباه ولو أن الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته وصوره على محبته ولملك حياته ولجاز فيه حكمه ولكنه إن مرض فلم ينفعه وإن مات فعجز عن رده إن من استطاع أن يخلق خلقا وينفخ فيه روحا حتى يمشي على رجليه سويا يقدر أن يدفع عنه الفساد.
قال فما تقول في علم النجوم؟
قال هو علم قلت منافعه وكثرت مضراته لأنه لا يدفع به المقدور ولا يتقى به المحذور إن المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه والمنجم يضاد الله في علمه بزعمه أن يرد قضاء الله عن خلقه.
قال فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟
قال بل الرسول أفضل.
قال فما علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم ولهم والله عالم السر وما هو أخفى؟
قال استعبدهم بذلك وجعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة ـ وعن معصيته أشد انقباضا وكم من عبد يهم بمعصيته فذكر مكانهما فارعوى وكف فيقول ربي يراني وحفظتي علي بذلك تشهد وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنهم مردة الشيطان وهوام الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر الله.