رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فأَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الجبار الحليم لا يضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي ـ فإنما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا مهيمن علي ولا عبادي وعبادي معي بين خلال ثلاث إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرق بالآباء الكافرين وأتأنى بالأمهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم فإذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي وإن لم يكن هذا ولا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي.
يا إبراهيم خل بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم أديرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا أبا جهل إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة عكرمة ابنك وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع الله ورسوله فيه كان عند الله جليلا وإلا فالعذاب نازل عليك وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوا من هذا إنما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد وينال به السعادة فهو لا يقطعه عن تلك السعادة ولا يبخل بها عليه أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلى السعادة ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم فانظر إلى السماء فنظر فإذا أبوابها مفتحة ـ وإذا النيران نازلة منها مسامتة لرءوس القوم (١) تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم فارتعدت فرائص (٢) أبي جهل والجماعة فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا تروعنكم فإن الله لا يهلككم بها وإنما أظهرها عبرة.
ثم نظروا إلى السماء وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله إن بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم الله أنه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد وبعضها أنوار ذرية طيبة ـ ستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن وهم يؤمنون.
وعن أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام أنه قال قيل لأمير المؤمنين يا أمير المؤمنين هل كان لمحمد صلىاللهعليهوآله آية مثل آية موسى في رفعه الجبل فوق رءوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به؟
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام إي والذي بعثه بالحق نبيا ما من آية كانت لأحد من الأنبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمد صلىاللهعليهوآله إلا وقد كان لمحمد مثلها أو أفضل منها ولقد كان لرسول الله صلىاللهعليهوآله نظير هذه الآية إلى آيات أخر ظهرت له وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أظهر بمكة دعوته وأبان عن الله تعالى مراده رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب مكايدهم ولقد قصدته يوما لأني كنت أول الناس
__________________
(١) مسامتة لرءوس القوم : محاذية لرءوسهم.
(٢) الفرائص جمع الفريصة ، وهي لحمة بين الثدي والكتف ترعد عن الفزع.