إسلاما بعث يوم الإثنين وصليت معه يوم الثلاثاء ـ وبقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الإسلام وأيد الله تعالى دينه من بعده فجاء قوم من المشركين فقالوا له :
يا محمد تزعم أنك رسول رب العالمين ثم إنك لا ترضى بذلك حتى تزعم أنك سيدهم وأفضلهم فلئن كنت نبيا فائتنا بآية كما تذكره من الأنبياء قبلك ـ مثل نوح الذي جاء بالغرق ونجا في سفينته مع المؤمنين وإبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه بردا وسلاما وموسى الذي زعمت أن الجبل رفع فوق رءوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين وعيسى الذي كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وصار هؤلاء المشركون فرقا أربعة هذه تقول أظهر لنا آية نوح وهذه تقول أظهر لنا آية موسى وهذه تقول أظهر لنا آية إبراهيم وهذه تقول أظهر لنا آية عيسى.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ( إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) أتيتكم بآية مبينة هذا القرآن الذي تعجزون أنتم والأمم وسائر العرب عن معارضته وهو بلغتكم فهو حجة بينة عليكم وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي ( وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ* ) إلى المقرين بحجة صدقه وآية حقه وليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون.
فجاء جبرئيل فقال يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك إني سأظهر لهم هذه الآيات وإنهم يكفرون بها إلا من أعصمه منهم ولكني أريهم ذلك زيادة في الإعذار والإيضاح لحججك فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح عليهالسلام امضوا إلى جبل أبي قبيس فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه وقل للفريق الثاني المقترحين لآية إبراهيم عليهالسلام امضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة فسترون آية إبراهيم في النار فإذا غشيكم النار فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة وترد عنكم النار وقل للفريق الثالث المقترحين لآية موسى امضوا إلى ظل الكعبة فسترون آية موسى وسينجيكم هناك عمي حمزة وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاث فإن الآية التي اقترحتها تكون بحضرتي.
فقال أبو جهل للفرق الثلاث قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد صلىاللهعليهوآله فذهب الفريق الأول إلى جبل أبي قبيس والثاني إلى صحراء ملساء والثالث إلى ظل الكعبة ورأوا ما وعدهم الله ورجعوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله مؤمنين وكلما رجع فريق منهم إليه وأخبروه بما شاهدوا ألزمه رسول الله صلىاللهعليهوآله الإيمان بالله فاستمهل أبو جهل إلى أن يجيء الفريق الآخر حسب ما أوردناه في الكتاب الموسوم بمفاخر الفاطمية ـ تركنا ذكره هاهنا طلبا للإيجاز والاختصار.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام فلما جاءت الفرقة الثالثة وأخبروا بما شاهدوا عيانا وهم مؤمنون بالله وبرسوله قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأبي جهل هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك وأخبرتك بما شاهدت.
فقال أبو جهل لا أدري أصدق هؤلاء أم كذبوا أم حقق لهم ذلك أم خيل إليهم فإن رأيت أنا ما اقترحته عليك من نحو آيات عيسى ابن مريم فقد لزمني الإيمان بك وإلا فليس يلزمني تصديق هؤلاء على كثرتهم.