وأما الظاهر فليس من أنه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها ولكن ذلك لقهره وغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل ظهرت على أعدائي ـ وأظهرني الله على خصمي إذا أخبر على الفلج والظفر فهكذا ظهور الله على الأشياء.
ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده لا يخفى عليه لمكان الدليل والبرهان على وجوده في كل ما دبره وصنعه مما يرى فأي ظاهر أظهر وأوضح أمرا من الله تبارك وتعالى فإنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك والظاهر منا البارز بنفسه المعلوم بحده فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا كقول القائل بطنته بمعنى خبرته وعلمت مكنون سره والباطن منا الغائر في الشيء المستقر فيه فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
قال وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نسمها كلها.
وكان المأمون لما أراد أن يستخلف الرضا جمع بني هاشم فقال إني أريد أن أستعمل الرضا عليهالسلام على هذا الأمر من بعدي.
فحسده بنو هاشم وقالوا أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة فابعث إليه يأتنا فترى من جهله ما تستدل به!
فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه فصعد المنبر فقعد مليا لا يتكلم مطرقا ثم انتفض انتفاضة فاستوى قائما وحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته ثم قال :
أول عبادة الله معرفته وأصل معرفة الله توحيده ونظام توحيده نفي الصفات عنه (١) بشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث (٢) فليس الله عرف من عرف ذاته بالتشبيه ولا إياه وحد من اكتنهه ولا حقيقته أصاب
__________________
(١) « اول عبادة الله » أي : أشرفها وأقدمها رتبة « معرفته » تعالى لأن الطاعة والعبادة تأتي بعد المعرفة فهي متأخرة رتبة عنها ولا تقبل عبادة بدون المعرفة فهي دونها في الشرف أيضا « وأصل معرفة الله توحيده » أي تنزيهه عن التركيب والشركة « ونظام التوحيد » أي تمامه وكماله « نفي الصفات الزائدة عنه » فلا يتم التوحيد الا بالقول بأن صفاته تعالى عين ذاته.
(٢) ثم إنه عليهالسلام شرع بإقامة الدليل على نفي الصفات الزائدة على الذات ـ فقال : ( لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق ) وذلك : أن الصفة لا قوام لها إلا بالموصوف فهي محتاجة إليه لا تنفك عنه. وبها كمال الموصوف فهو محتاج إليها. والحاجة دليل الإمكان ( وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ) غنيا بذاته ( ليس بصفة ) حتى يفتقر إلى الموصوف ليقوم به ذاته ( ولا موصوف ) حتى يحتاج إلى الصفة لكي يكمل بها ذاته ( وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران ) لما عرفت من حاجة بعضها إلى الآخر وشهادة الاقتران بالحدث إلخ توضيح ذلك : هو أن الصفة والموصوف إما أن يكونا قديمين. أو يكون أحدهما قديما والآخر حادثا. أو يكونا حادثين. ولا رابع لهذا الحصر الثلاثي.