من مثله ولا به صدق من نهاه ولا صمد صمده من أشار إليه ولا إياه عنى من شبهه ولا له تذلل من بعضه ولا إياه أراد من توهمه (١) كل معروف بنفسه مصنوع وكل قائم في سواه معلول (٢) بصنع الله يستدل عليه وبالعقول يعتقد معرفته ـ وبالفطرة تثبت حجته (٣) خلقة الله الخلق حجاب بينه وبينهم (٤) ومفارقته إياهم مباينة بينه وبينهم وابتداؤه إياهم دليل على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدإ عن ابتداء غيره وأدوه إياهم دليل على أن لا أداة له لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين.
فأسماؤه تعبير وأفعاله تفهيم وذاته حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيره تحديد لما سواه فقد جهل الله من استوصفه وقد تعداه من استمثله وقد أخطأه من اكتنهه (٥) ومن قال كيف؟ فقد شبهه ومن قال لم؟ فقد علله ـ ومن قال متى؟ فقد وقته ومن قال فيم؟ فقد ضمنه ومن قال إلام؟ فقد نهاه ومن قال حتام؟ فقد غياه ومن غياه فقد غاياه ومن غاياه فقد جزأه ومن جزأه فقد وصفه ومن وصفه فقد ألحد فيه ولا يتغير الله بتغير المخلوق كما لا يتحدد بتحديد المحدود.
أحد لا بتأويل عدد ظاهر لا بتأويل المباشرة متجل لا باستهلال رؤية باطن لا بمزايلة مباين لا بمسافة قريب لا بمداناة لطيف لا بتجسم موجود لا بعد عدم فاعل لا باضطرار مقدر لا بجول فكرة مدبر لا بحركة مريد لا بهمامة شاء لا بهمة مدرك لا بمجسة سميع لا بآلة بصير لا بأداة لا تصحبه الأوقات ولا تضمنه الأماكن ولا تأخذه السنات ولا تحده الصفات ولا تقيده الأدوات
سبق الأوقات كونه والعدم وجوده والابتداء أزله بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، (٦)
__________________
والأول باطل لما يلزم منه القول بتعدد القدماء وقد ثبت بطلانه.
والثاني يبطله الاقتران والحاجة والافتقار لما ألمحنا إليه آنفا وحينئذ يثبت القول الثالث وهو المطلوب.
(١) ( فليس الله ) الواجب الوجود الواحد الأحد ( عرف من عرف بالتشبيه ذاته ) بل عرف ممكنا من مخلوقاته ( ولا إياه وحد من اكتنهه ) أي جعل له كنها ( ولا حقيقته أصاب من مثله ) أي جعل له مثالا وصورة سواء كانت ذهنية أو خارجية ( ولا به صدق من نهاه ) أي جعل له حدا ونهاية ( ولا صمد صمده ) أي قصد نحوه ( من أشار إليه ) سواء بالاشارة الحسية أو الذهنية ( ولا إياه عني من شبهه ) وإنما عنى ممكنا من الممكنات ، ومخلوقا من جملة المخلوقات ( ولا تذلل ) أي تعبد ( من بعضه ) أي جعل له أبعاضا وجزأه فهو إنما عبد جسما مخلوقا مركبا له أجزاء وأبعاض ( ولا إياه أراد من توهمه ) أي : تصور له صورة ذهنية.
(٢) ( كل معروف بنفسه ) أي : بكنه حقيقته ( مصنوع ) لما يلزمه من التركيب ( وكل قائم في سواه ) لا يكون علة لاحتياجه إلى الغير فهو ( معلول ).
(٣) ( بصنع الله ) وحكيم تدبيره ( يستدل عليه ) ( وبالعقول تعتقد معرفته ـ وبالفطرة ) التي هي بمعنى الابتداع أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ( تثبت حجته ) ولعل في قوله عليهالسلام بالفطرة إشارة إلى قول النبي صلىاللهعليهوآله : « كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » فالعقول لو تركت على فطرتها وأصل خلقتها لآمنت به تعالى.
(٤) ( خلقة الله الخلق حجاب ) حاجز ( بينه ) في كماله وغناه ووجوبه الذاتي ( وبينهم ) في حاجتهم إليه ونقصهم وإمكانهم الذاتي ( ومفارقته إياهم ) في الصفات دليل على ( مباينة بينه وبينهم ) في الذات ، وفي بعض النسخ ( ومباينته إياهم مفارقته أينيتهم ) أي : أن مفارقته الأينية التي هي من لوازم الأجسام دلت على مباينته إياهم في الذات أو أن مباينته إياهم في الذات دلت على مفارقته لهم فيما اختصوا به من الأينية فلا يقال له : ( أين هو ) لأن ذاته تباين ذواتهم فلا يلازمها ما يلزم الممكنات.
(٥) مر مثل هذه الفقرات للامام أمير المؤمنين عليهالسلام في الجزء الأول من هذا الكتاب ص ٢٩٤ فليراجع.
(٦) أراد عليهالسلام بتشعيره المشاعر جعلها تشعر وتنفعل ، ولما كانت الانفعالات تحدث وتزول فقد دلت على تنزه خالقها