وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له (١) وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له.
ضاد النور بالظلمة والجلاية بالبهمة والجسو بالبلل والصرد بالحرور (٢) مؤلف بين متعادياتها مفرق بين متدانياتها دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها ذلك قوله عز وجل : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ففرق بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد.
شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيره له معنى الربوبية إذ لا مربوب وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ومعنى العالم ولا معلوم ومعنى الخالق ولا مخلوق وتأويل السمع ولا مسموع.
ليس منذ خلق استحق معنى اسم الخالق ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية كيف ولا يغيبه مذ ولا تدنيه قد ـ ولا يحجبه لعل ولا يوقته متى ولا يشتمله حين ولا يقارنه مع إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلة إلى نظائرها وفي الأشياء توجد فعالها.
منعتها منذ القدمة وحمتها قد الأزلية وجنبتها لولا التكملة.
افترقت فدلت على مفرقها وتباينت فأعزت على مباينها بها تجلى صانعها للعقول وبها احتجب عن الرؤية وإليها تحاكم الأوهام وفيها أثبت غيره ومنها أنبط الدليل وبها عرف الإقرار وبالعقول يعتقد التصديق بالله وبالإقرار يكمل الإيمان به.
لا ديانة إلا بعد معرفته ولا معرفة إلا بالإخلاص ولا إخلاص مع التشبيه ولا نفي مع إثبات الصفة للتثنية وكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه.
ولا يجري عليه الحركة ولا السكون وكيف يجري عليه ما هو أجراه أو يعود فيه ما هو ابتدأه إذا لتفاوتت ذاته ولتجزى كنهه ولامتنع من الأزل معناه ولما كان للباري معنى غير المبروء ولو وجد له وراء وجد له أمام ولا التمس التمام إذ لزمه النقصان وكيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث أم كيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء إذا لقامت عليه آية المصنوع ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ليس في محال القول حجة ولا في المسألة عنه جواب ولا في معناه لله تعظيم ولا في إبانته عن الحق ضيم إلا بامتناع الأزلي أن يثنى وما لا بديء له أن يبدئ لا إله إلا الله العلي العظيم كذب العادلون بالله وضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً وخسروا خُسْراناً مُبِيناً وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
__________________
(١) جوهر الشيء حقيقته وطبيعته ، والمعنى : بخلقه عناصر الأشياء وموادها وطبائعها المتصفة بما يدل على حدوثها ظهر أن لا طبيعة له او مادة فيكون حادثا مثلها محتاجا إلى محدث.
(٢) الجسو : اليبس ، والصرد : البرد ، والحرور : الريح الحارة.