وبقي علينا أن ندل على الأمر على ما ادعيناه.
والذي يدل على أن المعرفة بإمامة من ذكرناه عليهالسلام من جملة الإيمان وأن الإخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان إجماع الشيعة الإمامية على ذلك فإنهم لا يختلفون فيه وإجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذي قد دلت العقول على وجوده في كل زمان في جملتهم وفي زمرتهم وقد دللنا على هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا واستوفينا ذلك في جواب المسائل التبانيات خاصة وفي كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة الإمامية من المسائل الفقهية فإن هذا الكتاب مبني على صحة هذا الأصل.
ويمكن أن يستدل على وجوب المعرفة بهم عليهالسلام بإجماع الأمة مضافا إلى ما بيناه من إجماع الإمامية.
وذلك أن جميع أصحاب الشافعي يذهبون إلى أن الصلاة على نبينا في التشهد الأخير فرض واجب وركن من أركان الصلاة متى أخل بها الإنسان فلا صلاة له وأكثرهم يقول إن الصلاة في هذا التشهد على آل النبي عليهم الصلاة والسلام في الوجوب واللزوم ووقوف أجزاء الصلاة عليهم كالصلاة على النبي صلىاللهعليهوآله.
والباقون منهم يذهبون إلى أن الصلاة على الآل مستحبة وليست بواجبة فعلى القول الأول لا بد لكل من وجبت عليه الصلاة من معرفتهم من حيث كان واجبا عليه الصلاة عليهم فإن الصلاة عليهم فرع على المعرفة بهم ومن ذهب إلى أن ذلك مستحب فهو من جملة العبادة وإن كان مسنونا مستحبا والتعبد به يقتضي التعبد بما لا يتم إلا به من المعرفة.
ومن عدا أصحاب الشافعي لا يفكرون أن الصلاة على النبي وآله صلىاللهعليهوآله في التشهد مستحبة وأي شبهة تبقى مع هذا في أنهم عليهالسلام أفضل الناس وأجلهم وذكرهم واجب في الصلاة وعند أكثر الأمة من الشيعة الإمامية وجمهور أصحاب الشافعي أن الصلاة تبطل بتركه وهل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو يتعداهم.
ومما يمكن الاستدلال به على ذلك أن الله تعالى قد ألهم القلوب وغرس في كل النفوس تعظيم شأنهم وإجلال قدرهم على تباين مذاهبهم واختلاف ديانتهم ونحلهم وما أجمع هؤلاء المختلفون والمتباينون مع تشتت الأهواء وتشعب الآراء على شيء كإجماعهم على تعظيم من ذكرنا وإكباره فإنهم يزورون قبورهم ويقصدون من شاحط البلاد وشاطئها مشاهدهم ومدافنهم والمواضع التي رسمت بصلاتهم فيها وحلولهم بها ـ وينفقون في ذلك الأموال ويستنفدون الأحوال.
فقد أخبرني من لا أحصيه كثرة أن أهل نيسابور ومن والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلى طوس ـ لزيارة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه بالجمال الكثيرة والأهبة التي لا يوجب مثلها إلا للحج إلى بيت الله الحرام هذا مع أن المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم عن هذا الشعب وما تسخير هذه القلوب القاسية وعطف هذه الأمم النائية إلا كالخارقات للعادات والخارج عن الأمور والمألوفات وإلا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة ،