المنحازين عن هذه الجملة على أن يراوحوا هذه المشاهد ويغادوها ـ ويستنزلوا عندها من الله تعالى الأرزاق ويستفتحوا بها الأغلاق ويطلبوا ببركتها الحاجات ويستدفعوا البليات والأحوال الظاهرة كلها لا توجب ذلك ولا تقتضيه ولا تستدعيه وإلا فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم أو أكثرهم إمامته وفرض طاعته وإنه في الديانة موافق لهم غير مخالف ومساعد غير معاند ومن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا فإن الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة وعندها هي مفقودة ولا لتقية واستصلاح فإن التقية هي فيهم لا منهم ـ ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم وكل خوف إنما هو عليهم فلم يبق إلا داعي الدين وذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا تنفذ في مثله إلا مشية الله وقدرة القهار التي تذلل الصعاب وتقود بأزمتها الرقاب.
وليس لمن جهل هذه المزية أو تجاهلها أو تعامى عنها وهو يبصرها أن يقول إن العلة في تعظيم غير فرق الشيعة لهؤلاء القوم ليست ما عظمتموه وفخمتموه وادعيتم خرقه للعادة وخروجه عن الطبيعة بل هي لأن هؤلاء القوم عن عترة النبي صلىاللهعليهوآله وكل من عظم النبي صلىاللهعليهوآله فلا بد أن يكون لعترته وأهل بيته معظما ومكرما وإذا انضاف إلى القرابة الزهد وهجر الدنيا والعفة والعلم زاد الإجلال والإكرام لزيادة أسبابها.
والجواب عن الشبهة الضعيفة أن قد شارك أئمتنا عليهمالسلام في نسبهم وحسبهم وقرابتهم ـ من النبي صلىاللهعليهوآله غيرهم وكانت لكثير منهم عبادات ظاهرة وزهادة في الدنيا بادية وسمات جميلة وصفات حسنة من ولد أبيهم عليه وآله السلام ومن ولد عمهم العباس رضوان الله عليهم فما رأينا من الإجماع على تعظيمهم وزيارة مدافنهم والاستشفاع بهم في الأغراض والاستدفاع بمكانهم للأغراض والأمراض ما وجدنا مشاهدا معاينا في هذا الاشتراك وإلا فمن الذي أجمع على فرط إعظامه وإجلاله من سائر صنوف العترة يجري في هذا الحال مجرى الباقر والصادق والكاظم والرضا صلوات الله عليهم أجمعين لأن من عدا من ذكرنا من صلحاء العترة وزهادها ممن يعظمه فريق من الأمة ولوجه في مر الحقمن عظم منهم وقدمه لا ينتهي في الإجلال والإعظام إلى الغاية التي ينتهي إليها فيمن ذكرناه ولو لا أن تفصيل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناها على طول ذلك ولسمينا من كنينا عنه ونظرنا بين كل معظم مقدم من العترة ليعلم أن الذي ذكرناه هو الحق الواضح وما عداه هو الباطل الماضح. (١)
وبعد فمعلوم ضرورة أن الباقر والصادق ومن وليهما من أئمة أبنائهما عليهمالسلام كانوا في الديانة والاعتقاد وما يفتون به من حلال وحرام على خلاف ما يذهب إليه مخالفو الإمامية وإن ظهر شك في ذلك كله فلا شك ولا شبهة على منصف في أنهم لم يكونوا على مذاهب الفرق المختلفة المجمعة على تعظيمهم والتقرب إلى الله تعالى بهم وكيف يعترض ريب فيما ذكرناه ومعلوم ضرورة أن شيوخ الإمامية وسلفهم في ذلك الأزمان كانوا بطانة للباقر وللصادق صلوات الله عليهما ومن وليهما أجمعين عليهمالسلام وملازمين لهم متمسكين بهم ومظهرين أن كل شيء يعتقدونه وينتحلونه ويصححونه أو يبطلونه
__________________
(١) الماضح : المشين المعيب.