جورة قاهرين وصعوبة في المسالك في المضايق والمخاوف والأجراع (١) والجبال والتلاع (٢) لتحصيل أقوات الأنفس والعيال من الطيب الحلال فعرفهم الله عز وجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ويتخلصون منها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوات الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرئاسة والفخر والخيلاء ومقاساة العناء والبلاء من إبليس وعفاريته وخواطرهم وإغوائهم واستهوائهم ودفع ما يكابدونه من أليم الصبر على سماعهم الطعن من أعداء الله وسماع الملاهي والشتم لأولياء الله ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم والهرب من أعداء دينهم أو الطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم.
قال الله عز وجل يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل لا شهوات الفحولة يزعجكم ولا شهوة الطعام تحفزكم (٣) ولا خوف من أعداء دينكم ودنياكم تنجب (٤) [ ينخب ] في قلوبكم ولا لإبليس في ملكوت سماواتي وأرضي ـ شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منه ـ يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا واكتسب من القربات إلي ما لم تكتسبوا.
فلما عرف الله ملائكته فضل خيار أمة محمد وشيعة علي وخلفائه عليهمالسلام واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم ثم قال فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الأفضلين ولم يكن سجودهم لآدم إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز وجل وكان بذلك معظما له مبجلا ولا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون الله ـ ويخضع له خضوعه لله ويعظم بالسجود له كتعظيمه لله ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله ومحض وداد خير خلق الله علي بعد محمد رسول الله واحتمل المكاره والبلايا في التصريح بإظهار حقوق الله ولم ينكر علي حقا أرقبه عليه (٥) قد كان جهله أو غفله.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله عصى الله إبليس فهلك لما كان معصيته بالكبر على آدم وعصى آدم الله بأكل الشجرة فسلم ولم يهلك لما لم يقارن بمعصيته التكبر على محمد وآله الطيبين وذلك أن الله تعالى قال له يا آدم عصاني فيك إبليس وتكبر عليك فهلك ولو تواضع لك بأمري وعظم عز جلالي لأفلح كل الفلاح كما أفلحت وأنت عصيتني بأكل الشجرة وعظمتني بالتواضع لمحمد وآل محمد فتفلح كل الفلاح وتزول عنك وصمة الزلة فادعني بمحمد وآله الطيبين لذلك فدعا بهم فأفلح كل الفلاح لما تمسك بعروتنا أهل البيت.
ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر بالرحيل في أول نصف الليل الأخير وأمر مناديه فنادى ألا لا يسبقن رسول الله (ص)
__________________
(١) الجرعة : رملة مستوية لا تنبت شيئا.
(٢) التلاع : جمع التلعة ، وهو ما علا من الأرض وما سفل وفي بعض النسخ « الطلاع » وهو جمع الطلع بكسر الطاء : المكان المشرف الذي يطلع منه.
(٣) الحفز : الدفع من الخلف ، والحفر بالرمح : الطعن به.
(٤) النحب : السير السريع ، وفي بعض النسخ « تنخب » ومعناه تجبن قلوبكم وتجعلكم بلا فؤاد. يقال : « رجل نخب » اي الجبان الذي لا فؤاد له.
(٥) ارقبه عليه : انظره منه.