قال وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي عليهالسلام ففسح المجلس وقال إن الله يقلب القلوب ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة فانصرفوا يومهم ذلك
وعن أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ قال نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلا من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري.
قال فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال آخرون منهم والله لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (١) فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين عليهالسلام لنستشيره ونستطلع رأيه.
فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى به من غيرك لأنا سمعنا رسول الله يقول علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟
فقال أمير المؤمنين وايم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين وايم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك فلا بد لي من أن أدفع القوم عن نفسي وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أوعز إلي قبل وفاته وقال لي يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وإنك مني بمنزلة هارون من موسى وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه فقلت يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك فقال إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم وإن لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما.
فلما توفي رسول الله صلىاللهعليهوآله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط ـ سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغارة (٢) [ وغرة ] صدور القوم وبغضهم لله ورسله ولأهل بيت نبيه فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا وردوا عليه فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلىاللهعليهوآله وكان يوم الجمعة فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون
__________________
(١) البقرة : ١٩٥.
(٢) الوغر : الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيض.