الحسن فإذا هو برجل متوسد رِجل قتيل قد ركز رمحه في عينه ، وربط فرسه برجله ، فقال الحسن لمن معه : انظروا من هذا ، فإذا هو برجل من همدان ، فإذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب قد قتله وبات عليه حتى أصبح ، ثمّ سلبه ... واخذ سيفه ذا الوشاح ، فـأخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل حين بويع فقالوا : إنّما قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح ، فبعث معاوية إليه بالبصرة فأخذ السيف منه » (١).
____________
(١) وقعة صفين / ٣٣٤.
ولقد اختلف الرواة في قاتل عبيد الله بن عمر فقالوا من همدان وقالوا من حضرموت وقالوا من ربيعة وهذا هو الّذي استقر به ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤٠ / ٤٩٩ مستدلاً بشعر كعب بن جعيل في رثائه حيث ذكر اسم اسماء وهي بنت عطارد إحدى زوجتي عبيد الله والأخرى بحرية بنت هاني الشيبانية ، وكان عبيد الله أخرجهما معه إلى الحرب ذلك اليوم لينظرا إلى قتاله فوقفتا راجلتين. ويبدو من رواية المسعودي ان نساءه كانت أكثر من اثنتين.
قال المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٣٩٥ : وكان عبيد الله إذا خرج إلى القتال قام إليه نساؤه فشددن عليه سلاحه ما خلا الشيبانية بنت هاني بن قبيصة ، فخرج في هذا اليوم ـ يوم مقتله ـ وأقبل على الشيبانية وقال لها : إني قد عبأت اليوم لقومكِ ، وأيم الله إني لأرجو أن أربط بكل طنب من أطناب فُسطاطي سيداً منهم. فقالت له : ما أبغض إلاّ أن تقاتلهم ، قال : ولم؟ قالت : لأنّه لم يتوجه اليهم صنديد في جاهلية ولا إسلام وفي رأسه صعر إلاّ أبادوه ، وأخاف أن يقتلوك ، وكأني بك قتيلاً وقد أتيتهم أسالهم أن يهبوا لي جيفتك ، فرماها بقوس فشجها ، وقال لها ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك ، ثمّ توجه فحمل عليه حريث بن جابر الجعفي فطعنه فقتله ، وقيل ان الاشتر النخعي هو الّذي قتله ، وقيل ان عليّاً ضربه ضربة فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفه حُشوة جوفه ، وان عليّاً قال حين هرب فطلبه ليقيد منه بالهرمزان : لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره. وكلّم نساؤه معاوية في جيفته فأمر أن تأتين ربيعة فتبذلن في جيفته عشرة آلاف ، ففعلن ذلك ، فاستأمرت ربيعة عليّاً فقال لهم : إنّما جيفته جيفة كلب لا يحل بيعها ، ولكن إذا أحببتم فاجعلوا جيفته لبنت هانئ بين قبيصة الشيباني زوجته ، فقالوا لنسوة عبيد الله : إن شئتن شددنا ، إلى ذنب بغل ثمّ ضربناه حتى يدخل إلى عسكر معاوية فصرخن وقلن : هذا أشدّ علينا ، واخبرن معاوية بذلك فقال لهن : ائتوا الشيبانية فسلوها ان تكلّمهم في جيفته ، ففعلن وأتت القوم وقالت : انا بنت هانئ بن قبيصة ، وهذا زوجي القاطع الظالم وقد حذّرته ما صار إليه فهبوا لي جيفته ففعلوا ، وألقت إليهم بمطرف خز فأدرجوه فيه ودفعوه اليها ، فمضت به ، وكان قد شد في رجله إلى طنب فُسطاط من فساطيطهم ، قارن البلاذري في أنساب الأشراف (ترجمة الإمام) ٢ / ٣٢٦.