وكتب عكرمة ليلة البدر من صفر سنة ست وثلاثين ... اهـ » (١).
فهذا الكتاب نموذج من تلك الأجوبة الليّنة والّتي لم تجد الأرض الصالحة لتثمر نفعاً وقد استمر معاوية في خداعه وهو الآخر لم يجد الأذن الصاغية لاستماعه ، حتى إذا عظم الخطب ، واشتعلت نار الحرب ، تغيّرت اللهجة ، وتقارعت الحجة بالحجة وصار إلى المخادعة والمخاتلة بطريقة ايقاع الفرقة بين الهاشميين ، واغراء بعضهم على بعض ، وليس ذلك ببدع منه فقد كان ـ على حدّ قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ : « يودّ ما ترك من بني هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن في نيطه » (٢).
وهل في الهاشميين بعد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مثل ابن عباس في فهمه وعلمه ، وعقله وفضله ، فليجهد معاوية نفسه فيما يفرّق به بين المرء وإمامه ، وذلك بخديعة ابن عباس وإنّه الرأس بعد الإمام.
وهذه الفكرة لم تبارح معاوية طيلة حكمه ، فسيأتي من الشواهد عليها بعد موت الإمام الحسن (عليه السلام) وقوله لابن عباس : « أصبحت سيّد أهلك » ، ولكن ابن عباس الذكي الألمعي لا ينخدع بزبرج الألفاظ فرد عليه قائلاً : « أمّا ما بقي أبو عبد الله الحسين بن عليّ فلا ... ».
والآن إلى حديثه في صفين برواية نصر بن مزاحم :
قال نصر بن مزاحم : « فلمّا قتل أهل الشام قال معاوية : إنّ ابن عباس رجل من قريش ، وأنا كاتب إليه في عداوة بني هاشم لنا ، وأخوّفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنّا. فكتب إليه :
____________
(١) كنز العمال ١١ / ٣٣٣ ـ ٣٣٥ ط حيدر آباد الثانية برقم ١٣٢٦.
(٢) الفائق للزمخشري (نيط).