من وفى له يوم الجمل ، وكان منهم من اعتزل الناس في ذلك اليوم أيضاً ، وكان منهم مع ذلك كثير من الذين انهزموا بعد مقتل طلحة الزبير.
فهم إذاً كانوا عثمانية ، لا يقاتلون مع عليّ عن رضىً وصدق ، وإنّما يقاتلون معه كارهين ، وهم إذاً كانوا واجدين عليه لأنّه قتل منهم من قتل واضطرهم إلى الهزيمة اضطراراً.
لم يكن أصحاب عليّ إذا كلهم مخلصين له مؤمنين به ، وإنّما كان منهم المخلص والمدخول.
وقد قدّمنا ان الفريقين كانا يلتقيان في أمنٍ ودعة أثناء شهر المحرم الّذي توادعا فيه ، ونضيف الآن أن القتلى كثروا ذات يوم ، فطلب عليّ هدنة موقوتة ليدفن الناس قتلاهم ، وأجيب إلى ما طلب.
وإذاً فقد كان أهل الشام وأهل العراق يلتقون ويختلطون في غير موطن ، ولم يكن من العسير أن يتناجوا ولا أن يأتمروا بينهم بما يشاؤون ، فما استبعد أن يكون الأشعث بن قيس ، وهو ماكر أهل العراق وداهيتهم ، قد اتصل بعمرو بن العاص ، ماكر أهل الشام وداهيتهم ، ودبّروا أن يقتتل القوم فإن ظهر أهل الشام فذاك ، وإن خافوا الهزيمة أو أشرفوا عليها رفعوا المصاحف فأوقعوا الفرقة بين أصحاب عليّ وجعلوا بأسهم بينهم.
وقد تمّ لهم ما دبّروا إن كانوا قد دبّروا شيئاً ، واستكره الأشعث ومن أطاعه عليّاً على كفّ القتال ، فلم ير بُدّاً من الإذعان لما أرادوا.
وأكبر الظن عندي كذلك أن المؤامرة لم تقف عند هذا الحد ، وإنّما تجاوزته إلى ما هو أشد منه خطراً ، وهو اختيار الحكمين فلأمرٍ ما ألحّ الأشعث