ومن تبعه من اليمانية في أن يختار عليّ أبا موسى الأشعري ، ولم يطلقوا له الحرية في اختيار حَكَم يثق به ويطمئن إليه ، وهم يعلمون أن أبا موسى قد خذّل الناس عن عليّ في الكوفة حتى عزله عن عمله ، فقد كان عليّ إذاً مكرهاً على قبول التحكيم ، ومكرهاً على اختيار أحد الحكمين ، ولم تأت الأمور مصادفة ، وإنّما جاءت عن ائتمار وتدبير بين طلاب الدنيا من أصحاب عليّ وأصحاب معاوية جميعاً ... اهـ » (١).
أقول : لقد أصاب الدكتور طه حسين وأجاد في تحليله لمكيدة عمرو ابن العاص. فلم يخطيء في ذكره الأشعث نموذجاً للخائنين في صفّ العراقيين. وأنا أضيف إليه تدليلاً على صحة رأيه في النموذجين القذرين عمرو بن العاص والأشعث بن قيس ، أنّ الأشعث كان قد قام في ليلة الهرير يخطب في أصحابه من كندة ويقول لهم : « قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي ، وما قد فني فيه من العرب ، فوالله لقد بلغت من السنّ ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ، أنا ان نحن تواقفنا غداً انّه لفناء العرب وضيعة الحرمات ، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعاً من الحتف ، ولكني رجل مسنّ أخاف على النساء والذراري غداً إذا فنينا ... » (٢).
قال صعصعة ـ الراوي ـ : « فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال : أصاب وربّ الكعبة ، لئن نحن التقينا غداً لتميلنّ الروم على ذرارينا ونسائنا ،
____________
(١) الفتنة الكبرى ٢ / ٨٨ ـ ٩٠.
(٢) وقعة صفين / ٥٤٩ ، والأخبار الطوال / ١٨٨.