فأين من يعمل بإخلاص ويقين إبتغاء مرضاة الله ممّن يعمل لنيل العاجل من الحطام كابن العاص وأهل الشام؟
إذن فهم إنّما يخشون ابن عباس لو صار حكماً أن يُغِصّ عمراً بريقه ، ويسدّ عليه منافذ رأيه ، وبالتالي يفسد عليه خطته ، ويرد كيده في نحره ، فيخسر بالتالي صفقته الّتي باع بها دينه من معاوية.
فقد روى الشريف المرتضى : « أنّ عتبة بن أبي سفيان قال لعبد الله بن عباس : ما منع عليّاً أن يجعلك أحد الحكَمين؟
فقال : منعه والله من ذلك حاجز القدَر ، وقِصر المدة ، ومحنة الإبتلاء. أما والله لو بعثني مكانه ، لاعترضت لعمرو في مدارج أنفاسه ، ناقضاً ما أبرم ومبرماً ما أنقضه ، اسفّ إذا طار ، وأطير إذا أسفّ ، ولكن مضى قدر وبقي أسف ، ومع اليوم غد ، والآخرة خير لأمير المؤمنين من الأولى » (١).
فتبيّن من هذا الكلام ـ الّذي جمع من أسرار البلاغة والفصاحة ما ضمّ المعنى الخطير الكثير في القول اليسير ـ أنّه لو كان حَكَماً لأفشل كلّ خطط عمرو بن العاص وبالتالي هي افشال لخطط معاوية. لذلك كان إصراهم بعناد على رفضه حَكَماً من خلال الأشعث واليمانية الذين سدّوا منافذ الاختيار على الإمام بالوعيد والتهديد. فقال : (فاصنعوا ما أردتم. اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من صنيعهم). كما سيأتي عن قريب. كما وسيأتي أيضاً قوله : (ما أصنع أنا مضطهد).
____________
(١) الأمالي للمرتضى ١ / ٢٨٧. وقارن إعجاز القرآن / ١٢٢ ، والعقد الفريد للملك السعيد / ١٤ ، وشرح النهج ابن أبي الحديد ١ / ١٩٥ ، وأسرار البلاغة بذيل المخلاة المنسوبة للبهائي / ٤ وغيرها.