وقد اعترف عمرو بن العاص بخوفه من أن يكون ابن عباس حَكَماً لعجزه وقصوره عن مقابلته حتى كان يقول : « ما اتقيت جواب أحد من الناس غير جواب ابن عباس لبداهته » (١). وستأتي محاورة جرت بينهما بعد انقضاء أمر صفين وقد جمعهما الموسم جاء فيها : « وذكرت يومك مع أبي موسى فلا أراك فخرت إلاّ بالغدرة ولا منيت إلاّ بالفجور والغش ... ولعمري ، أنّ من باع دينه بدنيا غيره لحري حزنه على ما باع واشترى ، أمّا إن لك بياناً ولكن فيك خطل ، وإن لك لرأياً ولكن فيك فشل ، وان أصغر عيبك فيك لأعظم عيب في غيرك » (٢).
والآن إلى قراءة بعض النصوص الدالة على الآثار السيئة الّتي خلفتها خدعة التحكيم :
لقد روى إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين بسنده عن ابن عباس قال : « لقد حدّثني معاوية (بعد حين) انّه كان يومئذ قد قرّب إليه فرساً أنثى بعيدة البطن من الأرض ليهرب عليها حتى أتاه آت من أهل العراق فقال له : إنّي تركت أصحاب عليّ في مثل ليلة الصَدَر من منى فأقمت.
قال (ابن عباس) فقلنا له : فأخبرنا مَن هو ذلك الرجل فأبى وقال : لا أخبركم مَن هو » (٣).
أقول : لئن لم يخبر عنه معاوية مَن هو ، فقد نمّ على أنّ له في أهل العراق بعض العيون يوافونه بما يحدث ، وهذا يؤكد رواية صعصعة عن أولئك
____________
(١) محاضرات الأدباء للراغب باب ذم المراء في المناظرة مخطوطة الرضوية برقم ٤٤٠٣ ، و / ٣٦ من المطبوع.
(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ١٩٦ ط مصر الأولى.
(٣) نفس المصدر ١ / ١٨٨.