بكفر أو ذنب ، فلم يتركه الأشعث وجاء إليه مستفسراً وكاشفاً عن الحال وهاتكاً ستر التورية والكناية ، ومخرجاً لها من مظلة الإجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما يفسد التدبير ويوغر الصدور إلى المقال » (١).
وهكذا الدول الّتي تظهر فيها إمارات الانقضاء والزوال يتاح لها أمثال الأشعث من أولى الفساد في الأرض ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا ) (٢).
أقول : ومن قرأ مثلثات أبي بكر عند موته يجد ندمه على عدم قتله الأشعث يوم أتي به أسيراً. فقد قال : « وأمّا الثلاث الّتي تركتهن فوددت أنّي كنت فعلتهنّ فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه ولم أستحيه ، فإنّه تخيّل إليَّ أنّه لا يرى شرّاً إلاّ أعان عليه » (٣).
فمثل هكذا إنسان حسود وحقود وتافه تكون له الكلمة النافذة ، إنّها لإحدى الكبر!
وأمّا أبو موسى الأشعري فهو أخزى ، فقد كان من المنافقين الذين لعنهم الله ورسوله بشهادة الصحابيين الجليلين عمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان الّذي كان عارفاً بالمنافقين وقد أسرّ إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمرهم وأعلمه أسماءهم.
أمّا شهادة عمّار بن ياسر : فقد أخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في التاريخ عن أبي نجا حكيم قال : « كنت جالساً مع عمّار فجاء أبو موسى فقال : ما
____________
(١) نفس المصدر ١ / ٢١٦ ط مصر (الأولى).
(٢) الاحزاب / ٦٢.
(٣) راجع تاريخ الطبري ٤ / ٥٢ ط الحسينية ، ومروج الذهب ١ / ٤٠٨ تح ـ محمّد محي الدين ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ١٩ ط سنة ٣٢٨ ، والعقد الفريد ٣ / ٦٨.