وقال أيضاً : « وكتب كتاب القضية على الفريقين يرضون بذلك بما أوجبه كتاب الله ، واشترط على الحكمين في الكتابين أن يحكما بما في كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته ، لا يتجاوزان ذلك ولا يحيدان عنه إلى هوى أو ادهّان ، وأخذ عليهما أغلظ العهود والمواثيق ، فإن هما جاوزا بالحكم كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته فلا حكم لهما » (١).
لقد صدقت نبوءة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين قال للإمام يوم صلح الحديبية حين أبى الإمام أن يمحو اسم رسول الله لأنّ سهيل بن عمرو لم يرض بذلك ، فمحاه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيده وقال للإمام : (إنّك ستدعى إلى مثلها).
وصدق الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حين قال : (إنّ ممّا عهد إليَّ النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أنّ الأمة ستغدر بي من بعده) (٢).
وأخيراً صدق ابن عباس في وصفه للإمام في محنة تلك الحرب الضروس الطاحنة وموقف الناس منه ، فقد سئل عن سبب قبوله التحكيم فأجاب بما ذكرناه من قبل وختم ذلك بقوله : (ولو كان معه من يصبر على السيف لكان الفتح قريباً).
والّذي يبدو لي ممّا تقدّم أنّ ابن عباس كان هو الّذي افتتح كتابة كتاب القضية ، ولمّا وقع الاختلاف حول كلمة (أمير المؤمنين) وأبى محوها فمحاها الإمام بيده كما ذكر ذلك ابن البطريق الحلي في العمدة كما مرّ ، تولى كتابة الكتاب لنسخة اهل العراق عبيد الله بن أبي رافع كاتب الإمام ، وتولى كتابة نسخة لأهل العراق كاتب معاوية عمير بن عبّاد الكناني كما مر عن اليعقوبي. ومهما
____________
(١) نفس المصدر / ١٦٦.
(٢) أنظر كنز العمال ١١ / ٢٨٤ ط حيدرآباد الثانية ، نقلاً عن مصنف ابن أبي شيبة ومسند الحارث ومسند البزار ودلائل البيهقي وغيره.