أقول : إنّما ذكرت هذه المحاورة بنصّها كما وردت في مصادر أهل الحديث بأسانيدهم الصحيحة فضلاً عن ورودها في المصادر التاريخية والأدبية ، لأنّي وقفت في كتاب العقود الفضية في أصول الأباضية على ذكر المحاورة الّتي دارت بين ابن عباس وبين الخوارج وفيها من الدسّ والإفتراء ما يدعو إلى العجَب ، كما سنأتي على ذكرها فيما بعد.
ونعود إلى تتمة حديث الحرورية. فقد اختلف المؤرخون في ذكر عدد الذين رجعوا إلى الطاعة والجماعة.
فمنهم المقلّ ، فقال : رجع منهم ألفان ، كالمبرّد في كامله (١) ، والخوارزمي في مناقبه (٢) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (٣) ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (٤) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (٥) وآخرين غيرهم.
____________
شداد نشأت من فراغ ، لولا أن ابن العاص كتب إليها بأنه قتل ذا الثدية بنيل مصر أخرج البيهقي في دلائل النبوة بسنده عن مسروق قالت عائشة : عندك علم عن ذي الثديّة الّذي أصابه عليّ في الحرورية؟ قلت : لا ، قالت فاكتب لي بشهادة من شهدهم ، فرجعت إلى الكوفة وبها يومئذ أسباع فكتبت شهادة عشرة من كلّ سُبع ثمّ اتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها ، قالت : أكل هؤلاء عاينوه ، قلت : لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينوه فقالت : لعن الله فلاناً فإنه كتب إلي انّه أصابهم بنيل مصر ، ثمّ أرخت عينيها فبكت ، فلمّا سكنت عبرتها قالت رحم الله عليّاً لقد كان على الحقّ ، وما كان بيني وبينه إلاّ كما يكون بين المرأة وأحمائها. راجع البداية والنهاية ٧ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ط السعادة بمصر.
ولئن كُتم اسم الكاتب الكاذب الملعون على لسان عائشة فكني عنه (فلاناً) ، فان ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ٢٠٢ نقل عن كتاب صفين للمدائني التصريح باسمه فقال : عن مسروق ان عائشة قالت له لما عرفت ان عليّاً (عليه السلام) قتل ذا الثدية : لعن الله عمرو بن العاص فإنه كتب الي يخبرني أنّه قتله بالأسكندرية ... وهكذا تُضيّع الحقائق.
(١) الكامل ٣ / ٢١٢ تح ـ محمّد أبو الفضل إبراهيم.
(٢) مناقب الخوارزمي / ١٢٦ ط حجرية.
(٣) العقد الفريد ١ / ٣٤٢.
(٤) شذرات الذهب ١ / ٥٠.
(٥) جامع بيان العلم ٢ / ١٠٤.