يرض بك حَكَماً لفضل عندك ، والمتقدمون عليك كثير ، وإنّ الناس أبوا غيرك ، وإنّي لأظن ذلك لشرّ يُراد بهم ، وقد ضمّ داهية العرب معك ، إن نسيت فلا تنس أنّ عليّاً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، وليس فيه خصلة تباعده من الخلافة ، وليس في معاوية خصلة تقرّبه من الخلافة.
قال : ووصّى معاوية عمراً حين فارقه وهو يريد الاجتماع بأبي موسى فقال : يا أبا عبد الله إن أهل العراق قد أكرهوا عليّاً على أبي موسى ، وأنا وأهل الشام راضون بك ، وقد ضمّ إليك رجل طويل اللسان قصير الرأي فأخّر الحزّ وطبّق المفصل ولا تلقه برأيك كلّه » (١).
قال الطبري في حديثه : « فكان معاوية إذا كتب إلى عمرو جاء الرسول وذهب لا يُدرى بما جاء فيه ، ولا بما رجع به ، ولا يسأله أهل الشام عن شيء.
وإذا جاء رسول عليّ جاؤا إلى ابن عباس فسألوه ما كتب به اليك أمير المؤمنين؟ فإن كتمهم ظنوا به الظنون فقالوا : ما نراه كتب إلاّ بكذا وكذا.
فقال ابن عباس : أما تعقلون!؟ أما ترون رسول معاوية يجيء لا يُعلم بما جاء به ، ويرجع لا يُعلم ما رجع به ، ولا يُسمع لهم صياح ولا لفظ ـ كذا والصواب لغط ـ أنتم عندي كلّ يوم تظنّون الظنون! » (٢).
وفي حديث نصر بن مزاحم (ذكر كلام ابن عباس) فقال : « فأنّب ابن عباس أهل الكوفة بذاك وقال : إذا جاء رسول قلتم بأي شيء جاء ، فإن كتمتكم قلتم فلم تكتمنا؟ جاء بكذا وكذا ، فلا تزالون توقَفَون وتقاربون حتى تصيبوا فليس لكم سرّ.
____________
(١) مروج الذهب ٢ / ٤٠٦.
(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٦٧.