فقلت قد كفيتك التقواله ، أي شغلت باله بما دار بيني وبينه فأحكم أنت أمرك ، قال : فذهل والله ابن عباس عن الكلام الدائر بين الرجلين حتى قام أبو موسى فخلع عليّاً » (١).
ولمّا كانت محادثات الجلسة يلفّها الطابع السري للمفاوضات ، فربّما يستشكل على تسرّب ما دار بين عمرو بن العاص وعتبة إلى الخارج ، بل وحتى ما رواه الانباري في أمإليه من خبر عبد الرحمن بن خالد ، ولكن ذلك لا يلزم منه أن يكون الرواة قد خبروه في تلك الجلسة ، بل رووه عما حدّثا به عتبة وعبد الرحمن بن خالد بعد حين ، ومهما يكن فقد كان ذلك يحكي جوّ الحال الّذي هو يصدّق المقال.
وهكذا تمّ التآمر المعادي المعاوي على ابن عباس ، وهكذا كانت الخشية كلّ الخشية من حضوره لفطنته ، وهكذا كان هو أيضاً الحذر الفطِن إلى تلكم المكايد والمصايد ، ومع ذلك كله فلم يأل جهداً في اتخإذ الحيطة لأبي موسى الشانيء المناوئ الّذي فرضه اليمانية أن يكون حكم أهل العراق ، فقد بادره ناصحاً ، ومحذراً غدرة عمرو بن العاص حين تقدم أبو موسى ليتكلم بما اتفق عليه.
ولنقرأ الخبر في ذلك برواية نصر بن مزاحم من بدايته :
قال نصر : « عمر بن سعد قال حدّثني أبو جناب الكلبي ، إنّ عمراً وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل ، أخذ عمرو يقدّم عبد الله بن قيس في الكلام ويقول : إنّك قد صحبت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبلي ، وأنت أكبر مني ، فتكلّم ثمّ أتكلّم ،
____________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٢٠٠ ط الأولى بمصر.