الفتن الداخلية والخارجية الّتي بدت تنغض برؤوسهما. فعاد بعد غياب طويل ، وبدأ أعماله بحزم يتطلّب أخبار الناس عمن يعلمه بأخبارهم ، فبثّ العيون لترصد له تحركات المشبوهين.
وثمة مسألة يجب أن نبحثها في المقام :
وهي مسألة لعن الإمام لمعاوية وأشياعه ، وإنّما أوجبت بحثها ، لأنّ الإمام إنّما فعل ذلك بعد عودة ابن عباس إليه مع الوفد من مؤتمر التحكيم المهين المُشين ، ولأن ابن عباس مكث في الكوفة برهة سمع الإمام يلعن معاوية وأشياعه في قنوته ، ولأنّه لمّا عاد إلى مقر عمله في البصرة قنت هو أيضاً في صلاة الغداة ، لذلك رأيت بحث مسألة اللعن لزاماً عليّ لما تقدم ولما سمعت وقرأت أنّ نابتة الأمويين يستنكرون ذلك بحجة كيف يلعن الإمام عليّ معاوية ومن معه وهم جميعاً من المسلمين ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) (١) وهم في الوقت نفسه ينكرون أن يكون معاوية سبّ الإمام وأنّ بني أمية من بعده اتخذوا ذلك سنّة في خطبهم على منابر المسلمين. فرأيت الإلمام ولو بنحو الإيجاز بهذه المسألة بقدر يتناسب والمقام ، ولم يكن ذلك في بحثي عن ابن عباس في هيكله الأوّل ، وإنّما استجدّ لما بيّنت من استنكار وإنكار لفعلة معاوية المنكرة الآثمة الجائرة ، فدفعاً في صدور تلك النابتة الخاسرة ، وكمّاً لأفواههم البخرة ، وللمسلمين فيه عظة وتبصرة.
فلنقرأ :
____________
(١) صحيح البخاري ١ / ١٧ و ٧ / ٨٤ و ٨ / ٩١ ، وصحيح مسلم ١ / ٥٨.