أنماط من الحجة مع البرهان ساقها أهل البيت (عليهم السلام) بألوان من البيان ، تبصّر المستبصر ، وتعرّف المخدوع زيف الباطل ، وتدمغ الماكرين النهازّين ، فهم لم يتركوا شبهة إلاّ دحضوها ، ولا بيّنة إلاّ أقاموها ، ولكن أنّى لهم برتق أمر استوسع فتقه ، واستعصى على أولياء الأمور رتقه ، وتدارك ما خلّفته فتنة التحكيم من أولها وحتى منتهاها. فها هي الكوفة منقسمة على نفسها ، تفرقت كلمة أهلها أشتاتاً. فمنهم المحكّمة الذين ينغضون رؤوسهم كلّ حين ومنهم المكرة الخداعون كالأشعث بن قيس وأضرابه ، ممّن كانوا يتعاونون مع أولئك من حيث يريدون أو لا يريدون ، وبين هؤلاء وأولئكم أناس مخلصون امتحن الله قلوبهم بالإيمان فهم يدرأون بالحسنة السيئة بقياً على وحدة الكلمة ، وقليل ما هم.
لمّا انتهت خدعة التحكيم وعاد ابن عباس إلى الإمام مع الوفد العراقي ، وحضر بلبلة الأفكار الّتي أحدثتها تلك الفتنة ، وبدأت المحكمة تنشط في إعلان الخلاف في الكوفة ، وكان لهم في البصرة وغيرها أشباه كانوا معهم في صفين وعادوا إلى بلدانهم ، فبدأ التحرّك المريب ، وأخذ الخلاف يطفو على السطح ، وصار المحكّمة قوة ممعنة في الشقاق ، وهذا شر مستطير داخلي يقابله خطر خارجي سوف يداهم المسلمين من قبل معاوية ، فأصبح الإمام ومن معه بين عدوّين لدودين ، أهل الشام من الخارج والخوارج من الداخل ، وكلا الفريقين خطر ما فوقه خطر. فكان لابدّ له من معالجة ذلك بكل ما له من حول وطول. وكان لابدّ والحال تلك أن يعود ابن عباس إلى مقرّ عمله ، ليحفظ ذلك الثغر من