ولو سلّمنا أنّه كان مع الثوار وممّن أجلب على عثمان ، فهل صار الآن يسمّيه بالشيخ؟ وهو تعبير محفوف بالاحترام ـ بعد أن كانت تسمية الثوّار له بنعثل!
إنّها تناقضات تنفي الركون إلى الرواية جملة وتفصيلاً.
ومن الغريب أن أقرّ بعض المحدثين في كتاباتهم عن مالك فذكر المقولة وكأنّها ثابتة ثمّ صار إلى انتزاع العذر له بوجه وآخر ، مع أنّه لا يخفى خبث الراوي المجهول حين ضرب بحجر واحد ثلاثة حقول عصافير! فقائد كالأشتر ناقم على إمامه تولية ابن عمه ، وإمام يعتذر منه ويتلطف معه ، ووالٍ كابن عباس صار من أبناء الطلقاء بشهادة ابن عمه؟ فماذا يريد زعانفة الأمويين بعد هذا؟
نعم ليس من دخان إلاّ ووراءه نار ـ كما يقولون ـ وأحسب أنّ منشأ انتزاع ما ذكره ابن أبي الحديد هو ما أخرجه ابن سعد في الطبقات ، قال ـ ابن سعد ـ : « أخبرنا أبو عبيد عن مجالد عن الشعبي وغيره قال : أقام عليّ بعد وقعة الجمل بالبصرة خمسين ليلة ، ثمّ أقبل إلى الكوفة واستخلف عبد الله بن عباس على البصرة ، ووجّه الأشتر على مقدمته إلى الكوفة ، فلحقه رجل. فقال : من استخلف أمير المؤمنين على البصرة؟ قال : عبد الله بن عباس ، قال : ففيم قتلنا الشيخ بالمدينة أمس ، قال : فلم يزل ابن عباس على البصرة ...
وقد علّق السُلمي على الخبر فقال : إسناده ضعيف. مجالد بن سعيد ليس بالقوي ... الشعبي ... ثقة مشهور » (١).
____________
(١) طبقات ابن سعد ١ / ١٧٥ تح ـ د. محمّد صادق السٌلمي.