وكان مقتل محمّد من أنكى الرزايا الّتي اقترفها معاوية وأشياعه ، فقد مرّ بنا أن ذكرنا كيفية قتله البشعة ، وذكرنا مدى وقع نبأ الفاجعة على أخته عائشة على ما كان بينهما من نبوة في الرأي حتى صارت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص. فما ظنك بمدى حزن الإمام عليه وهو ربيبه ، ومدى حزن ابن عباس عليه وهو ابن خالته وصاحبه ، ولم يكن كتاب الإمام إلى ابن عباس بنبأ الفاجعة لمجرد الإخبار وبث الشكوى فيما أرى ـ بل فيه إيماء إلى اتخإذ ابن عباس الحيطة واليقظة في ضبط البلاد لأنّ البصرة هي ثالث المعسكرات الإسلامية الّتي كانت تضمها حكومة الإمام ، وقد سقطت مصر منها بيد العدو ، فلم يبق إلاّ الكوفة والبصرة ، وهي مطمح نظر معاوية ، لعلمه بأن فيها من العثمانية والموتورين بحرب الجمل ما يكفيه لإثارة الشغب ، وبالتالي الانقضاض عليها ، فهو سوف يتحيّن الفرصة لذلك ، وكما حدث بعدُ في فتنة ابن الحضرمي وسنأتي على ذكرها.
ونعود إلى كتاب الإمام إلى ابن عباس ونذكره برواية الشريف الرضي في نهج البلاغة. قال : « ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمّد ابن أبي بكر : (أمّا بعدُ فإنّ مصر قد افتتحت ومحمّد بن أبي بكر (رحمه الله) قد استُشهد ، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً ، وعاملاً كادحاً ، وسيفاً قاطعاً ، وركناً دافعاً. وقد كنتُ حثثت الناس على لحاقه ، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ، ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءاً ، فمنهم الآتي كارهاً ، ومنهم المعتلّ كاذباً ، ومنهم القاعد خاذلاً ، أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجاً عاجلاً ، فوالله لولا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة ، وتوطيني نفسي على المنيّة لأحببتُ أن لا أبقى مع هؤلاء يوماً واحداً ، ولا ألتقي بهم أبداً) ».