مركز الخلافة بكل حول وطول ، والعقبة الكأداء في طريقه وجود عبد الله بن عباس فيها وهو العامل اليقظ الّذي لم يترك بحزمه وعزمه مجالاً ينفذ فيه معاوية ، فكان عليه أن يتربص خلوّ البلاد منه ، وهذا ما حدث ويترقب ما يأتيه من عيونه ، حتى إذا كتب إليه صحار بن عباس العبدي ـ وهو ممّن كان يرى رأي العثمانية ويخالف قومه في حبهم عليّاً (عليه السلام) ونصرتهم إياه ـ « أمّا بعد : فقد بلغنا وقعتك بأهل مصر الذين بغوا على امامهم ، وقتلوا خليفتهم ظلماً وبغياً ، فقرّت بذلك العيون ... فإن رأيت أن تبعث إلينا أميراً طيباً ذكياً ذا عفاف ودين يدعو إلى الطلب بدم عثمان فعلت ، فإنّي لا أخال الناس إلاّ مجتمعين عليك ، فإنّ ابن عباس غائب عن الناس (المصر) والسلام.
فلمّا قرأ معاوية كتابه قال : « لا عزمت رأياً سوى ما كتب به إليّ هذا ، وكتب إليه جوابه ... » (١).
قال ابن الأثير : « سيّر معاوية عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة وقال له : إنّ جلّ أهلها يرون رأينا في عثمان ، وقد قتلوا في الطلب بدمه ، فهم لذلك حنقون يودّون أن يأتيهم من يجمعهم وينهض بهم في الطلب بثأرهم ودم إمامهم ، فانزل في مضر ، وتودّد الأزد فإنّهم كلّهم معك ، ودع ربيعة فلن ينحرف عنك أحد سواهم ، لأنّهم كلّهم ترابية فاحذرهم ».
فسار ابن الحضرمي حتى قدم البصرة ، وكان ابن عباس قد خرج إلى عليّ بالكوفة واستخلف زياد بن أبيه على البصرة فلمّا وصل ابن الحضرمي إلى البصرة
____________
(١) الغارات / ٣٨٥ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٣٥٠ ، وجمهرة رسائل العرب / ٥٧٥ ـ ٥٧٦ نقلاً عن شرح النهج.