ثمّ لو أعدنا قراءة ما خطب به في الأمس القريب حين استنهضهم إلى الخروج لمعاودة حرب أهل الشام ، فرأى التقاعس والتخاذل فأعاد الخطبة ثانية مع وعيد وتهديد.
أقول : فإذا استذكرنا ذلك كلّه من موقف ابن عباس بالبصرة ، وأضفنا إليه ما جرى أمامه مع إمامه بالكوفة حيث استنفر الإمام تميم الكوفة لرد عادية تميم البصرة في فتنة ابن الحضرمي حين أجاروه وأجابوه وناصروه. فلم يجب الإمام من تميم الكوفة أحد ، وهو يستنهضهم أياماً ولا من مجيب حتى خطبهم بما مرّت روايته عن الواقدي.
فكان هذا كلّه بمرأى ومسمع من ابن عباس ، ولا شك كانت تجري مشاورات بينه وبين الإمام في كيفية معالجة الموقف المتأزم ، وما يدرينا لعل من رأيه كانت العودة وتولي حسم الموقف حسب نظره إلاّ ان الإمام لم يأذن له بذلك. وهذا لئن كان مجرد احتمال من دون استدلال. فإن الّذي لا شك فيه أنّه لو عاد لزاد الموقف حراجة ، فالبصرة حين يغلي مرجلها لا يصلح لها من يزيدها غلياناً ، وربّما تزهق نفسه ، كما زهقت نفس محمّد بن أبي بكر. وتذهب البصرة كما ذهبت مصر بالأمس القريب.
فإنّ ابن عباس وما يجد في نفسه على بني تميم سابقاً قد زاده الموقف الحاضر عليهم حنقاً ، ولا ريب لو رجع إلى البصرة فلسوف يستعمل معهم أقسى العقوبات فيضع السيف أمام السوط ، ولا يبقي ولا يذر ، وهذا ما سيزيد النار أواراً ، ويفسد تميم الكوفة ، ويزيد في حنقهم عليه وعلى الإمام ، ولا تؤمن عاديتهم ، وربّما ثارت ثائرتهم وحينئذ يتسع الخرق ، فلا يرتق الفتق. خصوصاً مع