تربّص ذوي الإحن والأحقاد لمثل ذلك الإنشقاق ، فيدسّوا آنافهم ، ويزيدوا خلافهم ليصطادوا في الماء العكر ، لأنّ إحن الترات القديم بين القبائل في المجتمع العربي لا تزال آثاره في النفوس.
وإلى القارئ رواية مشهد واحد جرى في الكوفة في تلك القضية أمام الإمام وأمام ابن عباس ، وكادت الفتنة تنغض برأسها ، لولا أن تداركها الإمام بحكمته وحنكته فأخمد جذوتها :
فقد روى أبو الكنود : « أنّ شبث بن ربعي قال لعليّ (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين ابعث إلى هذا الحي من تميم فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك ، ولا تسلّط عليهم أزد عُمان البُعداء البُغضاء ، فإنّ واحداً من قومك خير لك من عشرة غيرهم.
فقال له مخنف بن سليم الأزدي : إنّ البعيد البغيض من عصى الله وخالف أمير المؤمنين وهم قومك ، وإنّ الحبيب القريب من أطاع الله ونصر أمير المؤمنين وهم قومي ، وأحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة من قومك.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : مَه تناهوا ، أيّها الناس وليردعكم الإسلام ووقاره عن التباغي والتهاذي ، ولتجتمع كلمتكم والزموا دين الله الّذي لا يقبل من أحد غيره ، وكلمة الإخلاص الّتي هي قوام الدين ، وحجة الله على الكافرين ، واذكروا إذ كنتم قليلاً مشركين متباغضين متفرقين ، فألّف بينكم بالإسلام فكثرتم واجتمعتم وتحاببتم فلا تفرّقوا بعد إذ اجتمعتم ولا تتباغضوا بعد إذ تحاببتم ، وإذا رأيتم الناس بينهم النائرة وقد تداعوا إلى العشائر والقبائل ، فاقصدوا لهامهم ووجوههم بالسيف حتى يفزعوا إلى الله وإلى كتابه وسنّة نبيّه.