فأمّا تلك الحميّة من خطرات الشياطين ، فانتهوا عنها لا أباً لكم تفلحوا وتنجحوا » (١).
فهذا الخبر الّذي نتعامل معه كوثيقة تاريخية له دلالته الحقيقية المؤسفة ، فلا نهدر مدلوله ، فإنّه كما يتسق مع مجرى الأحداث ، فهو يلتقي مع الواقع المرير الّذي يعيشه المجتمع الإسلامي العربي يومئذ ، فإحن الأضغان لا تزال كامنة في النفوس المرضى من تلك القبائل الّتي يتألف منها المجتمع سواء في الكوفة أو البصرة أو غيرهما من البلاد. ومتى أهيجت هاجت ، وثارت الفتنة وماجت.
فإذن لم يكن من المصلحة أن يُرجَع الإمام ابن عمه إلى مقر عمله في ذلك الجو الملتهب الصاخب وهو يعرفه ذلك الحازم الغاضب. ولكنه أعاده بعد إخماد فتنة ابن الحضرمي.
ولم تقف محنة الإمام عند هذا الحد ، بل تجاوزته إلى شرّ منه ، فقد بدأت عشائر الخوارج تنغض إليه رؤوسها ، فيقطعون عليه خطبته ، ويردّون عليه دعوته ، ويثبّطون الناس عن نصرته. ولم يتحرّجوا حتى عن مواجهته ، لأنّهم أمنوا سطوته ، ولا أدل على ذلك من خبر الخريت بن راشد السامي ـ من ولد سامة بن لوي ـ كما سيأتي :
روى الطبري عن عمر بن شبة بسنده عن الشعبي قال : « لمّا قتل عليّ (عليه السلام) أهل النهروان خالفه قوم كثير ، وانقضت عليه أطرافه ، وخالفه بنو ناجية ، وقدم ابن الحضرمي البصرة ، وانتقض أهل الأهواز ، وطمع أهل الخراج في كسره ، ثمّ أخرجوا سهل بن حنيف من فارس ـ وكان عامل عليّ عليها ـ
____________
(١) شرح النهج لابن أ [ ي الحديد ١ / ٣٥٢.