ثمّ حملت عليه عصابة منهم فقطّعوه ، ووجدوا معه رجلاً من أهل الذمة فقالوا : ما أنت؟ قال : رجل من أهل الذمة ، قالوا : أمّا هذا فلا سبيل عليه ، فأقبل إلينا ذلك الذمّي فأخبرنا هذا الخبر ، وقد سألت عنهم فلم يخبرني أحد عنهم بشيء ، فليكتب اليَّ أمير المؤمنين برأيه فيهم أنته إليه والسلام ».
وذكر أبو مخنف جواب الإمام وكتابه إلى زياد بن خصفة يأمره باتّباع إثرهم : « فسار زياد قاصداً نفّر فوصلها فلم يجدها ووجد خبرهم أنّهم ارتفعوا إلى جرجرايا (١) فتبعهم وسأل عنهم فقيل له إنّهم أخذوا نحو المذار (٢) فلحقهم وأدركهم وقد مسّه وأصحابه التعب ، وأضناهم النصب وهم سغب (٣) لغب (٤) فلمّا رأوا الخريت ومن معه واقفوه وجرى بينهما كلام لاينهم فيه زياد وطلب منهم النزول ثمّ الاجتماع والتفاهم حول ما حملهم على المجيء به ، فقبل الخريّت ونزل الطرفان واستراح زياد وأصحابه ، ثمّ تم الاجتماع بينه وبين الخريّت ومع كلّ واحد منهما خمسة من أصحابه ، ولم يسفر الاجتماع إلاّ عن الحرب فقتل من أصحاب زياد إثنان هما مولاه سويد ورجل آخر ، بينما قتل خمسة من أصحاب الخريّت وفشا الجراح في الطرفين وحجز بينهما الليل ، وأدلج الخريّت بمن بقي معه فلمّا أصبح زياد فلم ير منهم أحداً ، سار يطلبهم وأتاه الخبر بأنّهم
____________
(١) جرجرايا : بفتح الجيمين وتسكين الراء الأولى وفتح الثانية ، بلد من أعمال النهروان الاسفل بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي (مراصد الاطلاع).
(٢) المذار : بالفتح وآخره راء بلدة في ميسان بين واسط والبصرة ، وهي قصبة ميسان بينها وبين البصرة نحو من أربعة أيام (نفس المصدر).
(٣) سغب : سغبا وسغوبا جاع فهو ساغب وهم سُغَب ولا يكون السغب إلاّ الجوع مع التعب وربّما سمي العطش سغبا (المصباح المنير).
(٤) لغب : لغبا ولغوبا تعب وأعيا (نفس المصدر).