والّذي يدفع الإستغراب ويُقنع السائل بالجواب ، هو أنّ الخطبة تناول فيها الإمام حكومة الخالفين قبله ، وندّد بهم حتى وصف كلاً منهم بأوصاف لم تدع مجالاً للشك في أنهم تآمروا على استبعاده عن حقه المشروع ، ولمّا شاعت ووصلت أنباؤها حتى الشام ، اتخذها معاوية وحزبه ذريعة للتنديد بالإمام ـ كما سيأتي ذلك في حديثنا عن الصنو ـ ولما ولي معاوية بعد ذلك متغلباً على الأمة ومنع الناس من التحدّث بفضائل الإمام ، وأمر بإشاعة احاديث موضوعة في فضائل الصحابة ، كان من الطبيعي أن ينال التعتيم الإعلامي تلك الخطبة ، فلا يجسر أحد على روايتها ، اللّهمّ إلاّ الإمام الحسين الّذي رواها عنه ابنه الإمام السجاد ، وعنه ولده الإمام الباقر (عليهم السلام) ، وإلاّ ابن عباس الّذي كان معلناً بمر الحقّ في مجابهة معاوية وسلطانه ـ كما ستأتي الشواهد على ذلك في الحديث عن أيام معاوية ـ وفي صفحة احتجاجاته.
لذلك قلّت الرواية عنه إلاّ من طريق ثلاثة فحسب ، هم الإمام الباقر (عليه السلام) ، وعطاء وعكرمة ولما كان الثالث هو مولى ابن عباس ، فلعل روايته عنه ورواية عطاء كانتا حين سماعهما منه وهو يحدّث بها الإمام الباقر (عليه السلام) ، لذلك قلّ رواتها عنه ، وكانت سلسلة الرواة عن عكرمة تنتهي إلى أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) ، فقد رواها عنه أبان بن تغلب وعليّ بن خزيمة ـ كما في أسانيد الصدوق ـ فذلك يقرّب صحة ما احتملناه في سماع عكرمة لها ، لذلك لم يتطرّق الريب إليه في روايته للخطبة على أنّه خارجي.
٣ ـ ورد في إرشاد الشيخ المفيد وشرح النهج للقطب الراوندي أنّ الخطبة كانت بالرحبة ، ويبدو أنّ المكان كان منتدى القوم وقد ورد ذكر الرحبة في