وعمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة ومروان اجتمعوا عند معاوية فذكروا أمير المؤمنين فعابوه وألقوا في أفواه الناس أنّه ينتقص أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ويذكر كلّ واحد منهم ما هو أهله ، وذلك لمّا أمر أصحابه بالانتظار له بالنخيلة فدخلوا الكوفة وتركوه ، فغلظ ذلك عليه. وجاء هذا الخبر ، فأتيت بابه في الليل ، فقلت يا قنبر أيّ شيء خبر أمير المؤمنين؟ قال : هو نائم ، فسمع كلامه فقال : مَن هذا؟ فقال : ابن عباس يا أمير المؤمنين. قال : ادخل ، فدخلت فإذا هو قاعد ناحية عن فراشه في ثوب جالس كهيئة المهموم. فقلت : ما لك يا أمير المؤمنين الليلة؟
فقال : ويحك يا بن عباس وكيف تنفس المصدر عينا قلبٍ مشغول؟
يا بن عباس مَلِكُ جوارحك قلبُك ، فإذا أرهبه أمرٌ طار النوم عنه ، ها أنذا كما ترى من أوّل الليل اعتراني الفكر والسهر لما تقدم من نقض عهد أوّل هذه الأمة ، المقدّر عليها نقض عهدها ، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر من أمر من أصحابه بالسلام عليَّ في حياته بإمرة المؤمنين ، فكنت أوكد أن أكون كذلك بعد وفاته. يا بن عباس أنا أولى الناس بالناس بعده ولكن أمور اجتمعت على رغبة الناس في الدنيا وأمرها ونهيها وصرف قلوب أهلها عني ، وأصل ذلك ما قال الله تعالى في كتابه : ( أم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبراهيم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ) (١) فلو لم يكن ثواب ولا عقاب ، لكان بتبليغ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فرضٌ على الناس اتباعه ، والله (عزّ وجلّ) يقول : ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
____________
(١) النساء / ٥٤.