قال طه حسين : « وأمّر عليّ على البصرة عبد الله بن عباس ، وما نرى أنّه كان يستطيع أن يؤمّر غيره ، فالكثرة في البصرة مضرّية ، وما ينبغي أن يؤمّر عليها بعد الفتنة إلاّ رجل من مضر شديد القرابة من عليّ » (١).
وما ذكره لا يخلو من صحة ، فإنّ القبائل المضرية بالبصرة كانت تفوق التركيبة السكانية كما بيّنت من قبل. ولعل تأكيد المستشار ـ أبي بكرة أو زياد ـ على أن يكون الوالي رجلاً من أهل الإمام يسكن إليه الناس يشير إلى ذلك.
وقد ذكرت فيما مضى حديث حذيفة وفيه خروج عائشة ، فقال : « تقاتل معها مضر مضرّها الله في النار ، وأزد عمان سلت الله أقدامها ، وإنّ قيساً لن تنفك تبغي دين الله شراً حتى يركبها الله بالملائكة فلا يمنعوا ذنب تلعة » (٢). وسيأتي في حادثة مجيء الجاسوس ابن الحضرمي إلى البصرة لإفساد الأمر من قبل معاوية قال له معاوية : « فانزل في مضر ، وتودد الأزد فإنّهم كلّهم معك ، ودع ربيعة ، فلن ينحرف عنك أحد سواهم ، لأنّهم كلّهم ترابية فاحذرهم ... ».
فهذا جميعه يقرّب صحة نظر الدكتور طه حسين في أنّ الإمام ما كان يستطيع أن يؤمّر غير ابن عباس لأنّه مضري وشديد القرابة منه ، مضافاً إلى بقية مؤهلاته الشخصية.
____________
(١) الفتنة الكبرى ٢ / ٦٠ ط دار المعارف.
(٢) ذكره ابن قتيبة في غريب الحديث ٢ / ٢٥٠ ، وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ٤١ : وهذا الحديث من أعلام نبوة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لانه إخبار عن غيب تلقاه حذيفة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وحذيفة أجمع أهل السيرة على انّه مات في الأيام الّتي قتل عثمان فيها واتاه نعيه وهو مريض فمات وعليّ (عليه السلام) لم يتكامل بيعة الناس ولم يدرك الجمل.