أمّا الآن فأشير إلى ورود بعض الروايات الّتي وصفتها بالتفاهة لعدم سلامة أسانيدها ، ولا متونها من المناقشة وهي في المسائل التالية :
١ ـ مسألة تحريق الغلاة ـ الزط ـ بالبصرة بعد حرب الجمل.
٢ ـ مسألة تحريق الزنادقة بالكوفة بعد حرب الخوارج ، وهاتان المسألتان مختلفتان زماناً ومكاناً ورواة وقد خفى أمرهما على بعض الباحثين فتخيّلهما مسألة واحدة ، فالأولى كانت بالبصرة والثانية بالكوفة ، والأولى بعد واقعة الجمل ، والثانية في أواخر خلافة الإمام (عليه السلام) والأولى يرويها أنس بن مالك والثانية يرويها عكرمة.
قال طه حسين في الفتنة الكبرى : « وقد روى المؤرخون أنّ أناساً من أهل الكوفة ارتدوا فقتلهم ثمّ حرقهم بالنار ، وقد ليمَ في ذلك من ابن عباس. وأظن أنّ هذه القصة هي الّتي غلا خصوم الشيعة فيها فزعموا أنّ هؤلاء الناس ألّهوا عليّاً.
ولكن المؤرخين والثقاة منهم خاصة ، يقفون من هذه القصة موقفَين : فمنهم من يرويها في غير تفصيل كما رويتها ، ومن هؤلاء البلاذري. ومنهم من لا يرويها ولا يشير اليها كالطبري ومن تبعه من المؤرخين.
وإنّما يُكثر في هذه القصة أصحاب الملل والمخاصمون للشيعة. وما أرى إلاّ أنّ القوم يتكثرون فيها ويحمّلونها أكثر ممّا تحتمل كما فعلوا في أمر ابن السوداء ... اهـ » (١).
قال شيخنا المفيد قدس الله روحه ـ تعقيباً على مسألة التحريق ونقد ابن عباس وندم الإمام على احراقهم ـ : « وهذا من أظرف شيء سمع وأعجبه ، وذلك
____________
(١) الفتنة الكبرى (عليّ وبنوه) ٢ / ١٦٦ ط دار المعارف.