ينظرون في دُبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها ، في غير نقصان عليك ولا أثم لك ... » وقد مرّ ذكرنا له.
فيا لله هل أنّ ابن عباس كان أبصر بصواب الرأي منك؟ انّها لإحدى الكُبر.
فابن عباس هو القائل عنك للمغيرة : « كان والله أمير المؤمنين (عليه السلام) أعرف بوجوه الرأي ومعاقد الحزم وتصريف الأمور من أن يقبل مشورتك فيما نهى الله عنه وعنّف عليه ـ إلى آخر ما قال » وقد تقدم منا ذكره.
فهل يصح أن نقبل ما رواه الرواة وفي النفس من رواياتهم ما يبعث على الاشمئزاز؟!
وهذا الموقف زلّت فيه أقدام وأقلام فتجنّى غير واحد على الإمام ، حتى بلغت القحة ببعض المستشرقين ـ مثل نيكلسون ـ أن يقول : « كان عليّ يعوزه حزم الحاكم ودهاؤه برغم ما كان يمتاز به من الفضائل الكثيرة ، فقد كان نشيطاً ذكياً بعيد النظر ، بطلاً في الحرب ، مشيراً حكيماً وفياً ، شريف الخصومة ، نبغ في الشعر والبلاغة ، واشتهرت أشعاره وخطبه في الشرق الإسلامي ... وكانت تنقصه الحنكة السياسية وعدم التردد في اختيار الوسائل أياً كانت لتثبيت مركزه ، ومن ثمّ تغلّب عليه منافسوه الذين عرفوا أوّل الأمر أنّ الحرب خدعة ، والذين كانوا لا يتورعون عن ارتكاب أيّ جرم يبلغ بهم الغاية ويكفل لهم النصر » (١).
والعجب كلّ العجب أن يكون قد تبنى هذا الرأي أخوان مسلمان مصريان هما الدكتور حسن إبراهيم حسن وأخوه الدكتور عليّ إبراهيم حسن في كتابهما
____________
(١) أنظر تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي ١ / ٢٩٤ ط مكتبة النهضة بمصر سنة ١٩٥٣.