بحال معاوية ونكره ودهائه وما كان في نفسه من عليّ (عليه السلام) من قتل عثمان ومن قبل قتل عثمان انّه يقبل إقرار عليّ (عليه السلام) له على الشام وينخدع بذلك ويبايع ويعطي صفقة يمينه ، إنّ معاوية لأدهى من أن يكاد بذلك. وإن عليّاً (عليه السلام) لأعرف بمعاوية ممّن ظن أنّه لو استماله بإقراره ليبايع له ، ولم يكن عند عليّ (عليه السلام) دواء لهذا المرض إلاّ السيف ، لأن الحال إليه كانت تؤل لا محالة فجعل الآخر أوّلاً ... » (١).
وليتني كنت أدري كيف استساغ الأخوان أن يتبعا أستاذهما نيكلسون في وصفه الإمام بعدم الحزم والدهاء!! ألم يقرأوا ردّ الإمام على المغيرة وعلى ابن عباس في عدم جواز إبقاء عمال عثمان ومعاوية خاصة في مناصبهم؟ ألم يكن عزلهم واستبدالهم بمن هو أنقى وأتقى هو عين الحزم؟ ولو كان رضي بما أشار عليه المشيران ، لانتقضت عليه العرب كلها ، ولأعادوها جذعة ثمّ ساروا إليه فقتلوه كما قتل عثمان.
أليس من الدهاء السياسي فضلاً عن الواجب الديني تطهير الجهاز في مناصب الدولة من عناصر الفساد؟ هل من الدهاء أن يكون ولاة الخليفة اليوم هم الولاة بالأمس ، وهم الذين حكموا البلاد فأكثروا فيها الفساد ، فصب الناس عليهم وعلى خليفتهم سوط النقمة حتى أدى ذلك إلى قتله؟
ولم يكن الاخوان واستاذهما بدعاً. فقد كان لهم أشباه وأشباه. قال الدكتور أحمد شلبي : « ويوشك المؤرخون والمستشرقون أن يجمعوا على لوم عليّ على هذا العمل ـ عزل الولاة واسترداد القطائع ـ وهم جميعاً تقريباً يصرّحون
____________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٥٧٩ ـ ٥٨٤.