أنّ التوفيق أخطأ عليّاً ، وأن ذلك لم يكن من الحكمة. والّذي اعتقده أنّ ذلك الحكم على عليّ مبالغ فيه ، وانّه من الأقوال الّتي تشاع فيأخذها الناس دون دراسة وبغير تمحيص ، وللتدليل على ذلك نسأل الأسئلة التالية :
١ ـ هل كان من الممكن أن يحتج عليّ على الولاة الظالمين وأن يطلب من عثمان عزلهم حتى إذا تولى هو الخلافة تركهم؟
٢ ـ وهل كان من الممكن أن يثور على القطائع الّتي أعطيت ظلماً لأقارب الخليفة حتى إذا تولى هو الخلافة أقرّها؟
٣ ـ وهل كان التمرّد الّذي عاناه ناشئاً عن عزل الولاة واسترداد القطائع؟ وإذا كان كذلك فلماذا تمرّد طلحة والزبير (١) وشنّا على عليّ حرب الجمل؟
٤ ـ وهل يتخيّل المؤرخون أنّ معاوية كان سيبايع عليّاً ويسير في ركابه لو لم يُعزل؟
٥ ـ وأخيراً هل يمكن أن نطلب من عليّ أن يكون شخصاً آخر غير عليّ.
إن مطالبة عليّ بترك والٍ ظالم في الولاية ، أو الإغضاء عن مال أخذ من بيت مال المسلمين من دون حقّ هو بمثابة أن نطلب من الأسد أن يصبح هراً وهيهات أن يكون ذلك.
لعل من الأفضل للمؤرخين أن يقولوا : إنّ ذلك الوقت لم يكن الوقت الملائم لعليّ ليصبح خليفة ، وكان من الخير للمسلمين أن يتولى الخلافة في ذلك الوقت شخص آخر غير عليّ (٢) شخص يستطيع أن يدور وأن يداهن ، شخص لم
____________
(١) ونضيف نحن اليهما عائشة لماذا خرجت؟
(٢) أنظر تاريخ الطبري ٣ / ٤٥٩.