هو الاضطرار والتحرّج يقيدانه ولا يقيّدان أعداءه ، وإنّهم لدونه في الفطنة والسداد وهو (رضي الله عنه) قد اعتذر لنفسه بمشابه من هذا العذر حين قال : (والله ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى العرب) » (١).
ومنهم عبد الوهاب النجار ، قال في كتابه تاريخ الخلفاء : « إننا إذا نظرنا إلى عليّ من جانب الدين وحب الحقّ والزهد في الدنيا والإعراض عن زخارفها وزينتها وجدناه يمشي في صف أبي بكر وعمر لا يتخلف عنهما قيد خطوة.
وإذا نظرنا من جهة الفقه في أحكام الدين والعلم بجزئيات فروع الشريعة وجدناه يسبقهما. أمّا من حيث تدبير الملك وسياسة الرعية ومقاربة العامة ، والتنبّه لدقائق السياسة والأخذ على شكائم القوم والإحاطة بأحوالهم ، فإنّه يتأخر عن الرجلين في هذا المقام. مع سعة درايته وقوة عارضته ، لأنّ الأقوال في السياسة وحسن الملكة والإعراب عن دقائق ذلك شيء ، وإفاضة ذلك على الرعية وبسط النفوذ على الكافة وإخضاعهم للإرادة شيء آخر.
وقد يمر بنا شيء من ذلك ومن تعليل عدم نجاحه في جمع كلمة الأمة. والسرّ في ذلك سوء الأحوال الّتي تولى فيها. وعندي أنّ الوقت لو صفا لعليّ (رضي الله عنه) وواتته المقادير باستتباب الراحة واجتماع الكلمة ، لأذاق الأمة حلاوة العدل ، وحملهم على الجادة وسار بهم في طريق الفتوح ، وبسط نفوذ الإسلام وإعزاز كلمته بما لم يدع مقالاً لقائل ، ولله في خلقه شؤون.
ويكفي من ينظر في أمر عليّ أنّه لم يوجد عنده من المال سوى سبعمائة درهم كان أرصدها لشراء خادم له لم يكن عنده سواها ، وفي رعيته من يملك
____________
(١) نفس المصدر / ٦٩٩ مجموعة العبقريات الإسلامية.