عشرات الآلاف ومئات الآلاف ، ولم يكن مترفهاً في معيشته ولا متوسعاً كما كان معاوية أو عثمان ، بل كان من طراز أبي بكر وعمر » (١).
أقول : ومهما كانت آراء من سبق من الباحثين متفاوتة في تقييمهم لسياسة الإمام (عليه السلام) ، لكنها متفقة على أنّه (عليه السلام) كان المصيب في عزله ونصبه ، وسلمه وحربه ، متبعاً أمر ربّه ، لذلك لم تكن الخلافة عنده تساوي شسع نعل إلاّ أن يقيم حقاً أو يدفع باطلاً.
وقد قال أحمد بن حنبل ـ إمام الحنابلة ـ : « إنّ عليّاً ما زانته الخلافة ولكن هو زانها ».
وتعقّبه ابن الجوزي بعد أن حكى ذلك عنه بقوله :
مـا زانـه المـلـك إذ حـواه |
|
بـل كـلّ شـيء بـه يـزان |
جـرى فـفات الملوك سبقاً |
|
فـلـيـس قُـدّامـه عـنـان |
نـالـت يـداه ذُرى مـعـالٍ |
|
يـعجز عن مثلها العيان (٢) |
وقد أدرك ذلك في الإمام (عليه السلام) حتى غير المسلمين ، وحسبنا نموذجاً واحداً هو جورج جرداق ، فقد قال : « لقد كان عليّ من المهارة والمقدرة على الدهاء بحيث لم يكن غيره من مهرة العرب ودهاتهم ، وكان من بُعد الغَور وعمق النظر في أمور السياسة والقتال ، ومن سَبر النفوس وإدراك الدخائل ، ومن معرفة النتائج قبل الوصول إليها ، والبصر بأهواء الرجال ومطامعهم وأساليبهم في الحيلة ، بحيث لم يكن معاوية بن أبي سفيان ولا عمرو بن العاص ولا غيرهما من أهل الدهاء
____________
(١) تاريخ الخلفاء / ٤٧٤ ط السلفية بمصر.
(٢) التبصرة ٢ / ٢٤٣ ط عيسى البابي الحلبي سنة ١٣٩٠ تح ـ د. مصطفى عبد الواحد.