سبيل) ـ فلمّا بلغ ابن عباس ما صنع زياد بعدُ. قال : ما أراه إلاّ قد كان أشار علينا بالذي هو رآه.
ولم يكن ابن عباس ممّن يقتل على الظنّة والتهمة أناساً من أهل القبلة ، لكن زياداً يرى ذلك في سبيل استقامة الأمور وإن خالف الشرع. ولا يعني ذلك أنّ ابن عباس كان غافلاً عن سبل الوصولية المقيتة ولكن دونها حاجز من تقوى الله. وهو في حزمه وعزمه لم تزل تساوره الشكوك في استقامة الأمور ما دام العدو اللدود يتربّص الدوائر ويتحيّن الفرص وقد وافته ، وزاد في قلق ابن عباس ما بلغه من اختراق معاوية لمجتمع المصرَين ـ الكوفة والبصرة ـ فأرسل إليهما جاسوسين ، رجلاً من حمير إلى الكوفة ، ورجلاً من بني القين إلى البصرة ، يكتبان له بالأخبار ، ويفسدان الرجال ، فدُلّ الإمام الحسن (عليه السلام) على الحميري عند لحام بن جرير ، فأخذه وقتله. ودُلّ ابن عباس على القيني وكان نازلاً في بني سليم بالبصرة فأخذه وقتله ، وكتب إلى معاوية :
أمّا بعد ، فإنك ودسّك أخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الّذي ظفرت به من يمانيّتك لكما قال أمية بن الأسكر (١) :
لعمرك إنّي والخزاعيّ طارقاً |
|
كنعجة عاد حتفها تتحفّر |
أثارت عليها شفرة بكراعها |
|
فظلّت بها من آخر الليل تنحر |
شمتّ بقوم من صديقك أهلكوا |
|
أصابهم يوم من الدهر أصفر |
____________
(١) الأغاني ١٨ / ١٦٢ ط دار الكتب ، مقاتل الطالبين / ٥٣ ـ ٥٤ ط مصر وشرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ١٢ ط مصر الأولى و ١٦ / ٣٢ ط محققة.