يكون ذلك لله رضاً ، وأن يكون رأياً صواباً ، فإنك من الساعين عليه والخاذلين له ، والسافكين دمه ، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني ، ولا بيدك أمان.
فكتب إليه ابن عباس جواباً طويلاً يقول فيه : أمّا قولك : إنّي من الساعين على عثمان والخاذلين له والسافكين دمه ، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله ، والمحب لهلاكه ، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره ، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت به (١) حتى بعثت إليه معذراً بأخرة ، أنت تعلم أنّهم لن يتركوه حتى يقتل ، فقتل كما كنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلك إن الناس لن يعدلوا بيننا وبينك ، فطفقت تنعى عثمان ، وتلزمنا دمه ، وتقول قتل مظلوماً ، فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين ، ثمّ لم تزل مصوّبا ومصعّدا ، وجاثماً ورابضاً تستغوي الجهال ، وتنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت ، ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (٢) » (٣).
فهذا نص له دلالته ، ولا يعقل أن يكون هذا هو جميع الكتاب والجواب ، خصوصاً مع ملاحظة قول ابن أبي الحديد : « فكتب إليه ابن عباس جواباً طويلاً ... ». وليته لم يقتضبه ، فرواه لنا بكامله لأفدنا منه أموراً أخرى. ومهما يكن العذر له في ذلك ، فإن فيما ذكره دلالة على زمن المكاتبة إذ في كتاب معاوية
____________
(١) يشير إلى كتاب عثمان إليه يستنصره فلم ينصره ، قال الطبري في تاريخه ٥ / ١١٥ فلمّا جاء معاوية الكتاب تربّص به ...
(٢) الأنبياء / ١١١.
(٣) شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٥٨ ، ولا يخفى تشابه ختام كتابه بختام خطبة الإمام الحسن (عليه السلام) فكلاهما يرى في تولي معاوية الفتنة وهو متاع إلى حين.